سفر البر أو البحر ، فقد جعل الله تعالى علامات في السماء تعوض عن علامات الأرض في تلك الحال : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ).
بطبيعة الحال فهذه إحدى الفوائد الجملة للنجوم ، ولو لم يكن لها سوى هذه الفائدة لكان كافيا لوجودها ، خصوصا في زمن لا أسطرلاب فيه ولا مؤشرات قطبية تعين السفن في تحديد مسيرها وفق خرائط أعدت لذلك الغرض ، وقديما كانت الرحلات تتوقف إذا ما غطيت السماء بالسّحب وتلبدت بالغيوم ، ومن يجرأ على تكملة السفر فسيواجه خطر الموت.
وكما هو معلوم اليوم ، فإنّ النجوم التي تبدو لنا متحركة في السماء عبارة عن خمسة كواكب ، ويطلق عليها اسم السيارات ، والسيارات أكثر من خمسة ، إلّا أنّ البقية لا يمكن تشخيصها بالعين المجرّدة بسهولة ، أمّا بقية النجوم فإنّها تحتفظ بمكانها النسبي ، وكأنّها لآلئ خيطت على قطعة قماش أسود ، وهذه القطعة كأنّها تسحب من إحدى جهاتها فتتحرك بكاملها.
وبعبارة أخرى : إنّ حركة النجوم الثوابت جمعية ، وحركة السيارات انفرادية ، حيث تتغير المسافات بينها وبين الثوابت باستمرار.
إضافة لذلك ، فالنجوم الثوابت تشكل فيما بينها أشكالا معينة تعرف ب (الصور الفلكية) ولها الأثر الكبير في معرفة الاتجاهات الأربعة (الشمال ، الجنوب ، الشرق ، والغرب).
وبعد أن بيّن القرآن كل هذه النعم الجليلة والألطاف الإلهية الخفية ، راح يدعو الوجدان الإنساني للحكم في ذلك (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟!
وكما اعتدنا عليه من القرآن في أسلوبه التربوي الهادف المؤثر ، فقد طرح مسألة المحاججة بصيغة السؤال يترك الجواب عنه في عهدة الوجدان الحي للإنسان ، مستعينا بتحريك الإحساس الباطني ليجيب من أعماق روحه ، ولينشد عشقا بخالقه.