يبدي اللياقة والتجاوب مع الدعوة فردا كان أم جماعة يكون جديرا باللطف الإلهي وتدركه الهداية التكوينية.
نعم ، فها هي السنّة الإلهية ، لا كما ذهب إليه الفخر الرازي وأمثاله من أنصار مذهب الجبر من أنّ الله يدعوا الناس بواسطة الأنبياء ، ومن ثمّ يخلق الإيمان والكفر جبرا في قلوب الأفراد (من دون أيّ سبب) والعجيب أنّه لإجمال للتساؤل ولا يسمح في الاستفهام عن سبب ذلك من الله عزوجل.
فما أوحش ما نسبوا اليه سبحانه .. إنّما صورة لا تتفق مع العقل والعاطفة والمنطق؟!
والتعبير الموارد في الآية مورد البحث يختلف في مورد الهداية والضلال ، ففي مسألة الهداية ، يقول : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) ، أمّا بالنسبة للقسم الثّاني ، فلا يقول : إنّ الله أضلهم ، بل إنّ الضلالة ثبتت عليهم والتصقت بهم : (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ).
وهذا الاختلاف في التعبير يمكن أن يكون الإشارة لما في بعض الآيات الأخرى ، والمنسجم مع ما ورد من روايات .. وخلاصته :
إنّ القسم الأعظم من هداية الإنسان يتعلق بالمقدمات التي خلقها الله تعالى لذلك ، فقد أعطى تعالى : العقل ، وفطرة التوحيد ، وبعث الأنبياء ، وإظهار الآيات التشريعية والتكوينية ، ويكفي الإنسان أن يتخذ قراره بحرية وصولا للهدف المنشود.
أمّا في حال الضلال فالأمر كلّه يرجع إلى الضالين أنفسهم ، لأنّهم اختاروا السير خلاف الوضعين التشريعي والتكويني الذي جعلهم الله عليه ، وجعلوا حول الفطرة حجابا داكنا وأغفلوا قوانينها ، وجعلوا الآيات التشريعية والتكوينية وراء ظهورهم ، وأغلقوا أعينهم وصموا أذانهم أمام دعوة الأنبياء عليهمالسلام ، فكان أن آل المآل بهم إلى وادي التيه والضلال .. أو ليس كل ذلك منهم؟