والآية (٧٩) من سورة النساء تشير إلى المعنى المذكور بقولها : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ).
وروي في أصول الكافي عن الأمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، في إجابته على سؤال لأحد أصحابه حول مسألة الجبر والإختيار ، أنّه قال : «أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين ، قال الله عزوجل : يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوتي أديت فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا ، ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك منّي» (١).
وفي نهاية الآية يصدر الأمر العام لأجل إيقاظ الضالين وتقوية روحية المهتدين ، بالقول : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
فالآية دليل ناطق على حرية إرادة الإنسان ، فإن كانت الهداية والضلال أمرين إجباريين ، لم يكن هناك معنى للسير في الأرض والنظر إلى عاقبة المكذبين ، فالأمر بالسير بحد ذاته تأكيد على اختيار الإنسان في تعيين مصيره بنفسه وليس هو مجبر على ذلك.
وثمّة بحوث كثيرة وشيقة في القرآن الكريم بخصوص مسألة السير في الأرض مع التأمل في عاقبة الأمور ، وقد شرح ذلك مفصلا في تفسيرنا للآية (١٣٧) من سورة آل عمران.
الآية الأخير من الآيات مورد البحث تؤكّد التسلية لقلب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بتبيان ما وصلت إليه حال الضّالين : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
«تحرص» من مادة (حرص) ، وهو طلب الشيء بجدّية وسعي شديد.
__________________
(١) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٦٠ (باب الجبر والقدر ـ الحديث ١٢).