في الجانب الدنيوي ـ منتصرون (١).
فلما ذا بعد ذلك يتحمل الإنسان ضربات الأعداء المتوالية ويموت منها ذليلا؟! لما ذا لا يهاجر وبكل شجاعة ليجاهد عدوّه من موضع جديد فيأخذ منه حقّه؟!
وقد عرض هذا الموضوع بوضوح أكثر في الآية (١٠٠) من سورة النساء ، حيث تقول : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً).
٥ ـ إن سبب انتخاب صفتين للمهاجرين «الصبر» و «التوكل» واضح ، لما يواجه من ظروف صعبة ومتعبة ، تحتاج الثبات والصبر على مرارة تلك الظروف في الدرجة الأولى ، ثمّ الاعتماد الكامل على الله سبحانه وتعالى. وأساسا فإنّ الإنسان لو افتقد في الحوادث العصبية والشدائد القاسية المعتمد المطمئن والسند المعنوي المحكم ، فإنّ الصبر والاستقامة والثبات تكون مستحيلة.
وقال البعض : إنّ انتخاب «الصبر» هنا ، لأنّ ابتداء السير في طريق الهجرة إلى الله يحتاج إلى المقاومة والثبات أمام رغبات النفس ، أما انتخاب «التوكل» فلأجل أنّ نهاية السير هي الانقطاع عن كل شيء غير الله عزوجل والارتباط به.
وعلى هذا ، تكون الصفة الأولى لأوّل الطريق والثانية لآخره (٢).
وعلى أية حال .. فلا سبيل الى الهجرة الخارجية دون الهجرة الباطنية ، فعلى الإنسان أن يقطع علائقة المادية الباطنية أوّلا بهجرته نحو الفضائل الأخلاقية ، ليستطيع أن يهاجر ويترك دار الكفر ـ مع كل ما له فيها ـ منتقلا إلى دار الإيمان.
* * *
__________________
(١) «لنبوئنهم» : في الأصل من (بوأ) بمعنى تساوي أجزاء مكان ما .. على عكس «نبوء» على وزن (مبدأ) بمعنى عدم تساوي أجزاء المكان. وعلى هذا فـ «بوّأت له مكانا» أي ساويت له مكانا ، ثمّ بمعنى هيأته له.
(٢) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، في تفسير الآية مورد البحث.