واحتمل بعض المفسّرين أيضا أنّ «الحسنى» تعني نعمة الأولاد الذكور ، لأنّهم يعتبرون البنات سوءا وشرّا ، والبنين نعمة وحسنى.
إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صوابا ، ولهذا يقول القرآن ، وبلا فاصلة : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ، أي : أنّهم ليسوا فاقدين لحسن العاقبة فقط ، بل و «لهم النّار» (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أي : من المتقدمين في دخول النّار.
والمفرط : من فرط ، على وزن (فقط) بمعنى التقدم.
وربّما يراود البعض منّا الاستغراب عند سماعة لقصة عرب الجاهلية في وأدهم للبنات ، ويسأل : كيف يصدّق أن نسمع عن إنسان ما يدفن فلذة كبده بيده وهي على قيد الحياة؟! ..
وكأنّ الآية التالية تجيب على ذلك : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ).
نعم ، فللشيطان وساوس يتمكن من خلالها أن يصور أقبح الأعمال وأشنعها جميلة في نظر البعض بحيث يعتبرها مجالا للتفاخر! كما كانوا يعتبرون وأد البنات شرفا وفخرا وحفظا لناموس وكرامة القبيلة! ممّا يحدو ببعض المغفلين لأن يتفاخر بالقول : لقد دفنت ابنتي اليوم بيدي كي لا تقع غدا أسيرة في يد الأعداء!
فإنّ كان الشيطان يزيّن أقبح الأعمال مثل وأد البنات بنظر بعض الناس بهذه الحال ، فحال بقية الأعمال معلوم.
ونرى في يومنا الكثير من أعمال الناس التي سيطر عليها زخرف الشيطان ، فراحوا ينعتون سرقاتهم وجرائمهم بعبارات تبدو مقبولة فيخفون حقيقتها في طي زخرف القول.
ثمّ يضيف القرآن : إن مشركي اليوم على سنّة من سبقهم من الماضين من الذين زينوا أعمالهم بزخرف ما أوحى لهم الشيطان (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) ، يستفيدون ممّا يعطيهم إيّاه.