٥ ـ وختمت عطايا الله عزوجل لإبراهيم عليهالسلام لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاما وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان ـ وخصوصا للمسلمين ـ ولم يجعل دينه مختصا بعض أهل زمانه ، فقال الله عزوجل : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١).
ويأتي التأكيد مرّة أخرى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال : إن كان دين الإسلام هو نفس دين إبراهيم وأنّ المسلمين يتبعون سنن إبراهيم عليهالسلام في كثير من المسائل ومنها احترام يوم الجمعة ، فلما ذا اتّخذ اليهود يوم السبت عيدا لهم بدلا من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟
إنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي أنّ السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود ، وقد اختلفوا فيه أيضا ، فمنهم من قبله ومنهم من أهمله.
وتقول بعض الرّوايات : أنّ موسى عليهالسلام دعا قومه بني إسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه ، وهو دين إبراهيم عليهالسلام ، إلّا إنّهم تعلّلوا ، واختاروا يوم السبت ، فجعله الله عطلة لهم ولكن بضيق وشدّة ، ولهذا لا ينبغي الاعتماد على تعطيل يوم السبت ، لأنّه إنّما كان استثنائيا وذا طابع جزائي ، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا ، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب الله.
وثمّة احتمال آخر أن تكون إشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية ، لأنّ الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إجابتها على
__________________
(١) «الحنيف» : بمعنى الذي يترك الانحراف ويتجه إلى الاستقامة والصلاح ، وبعبارة أخرى ، يغض نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجه نحو صراط الله المستقيم ، الدين الموافق للفطرة ، ولهذا يسمى الصراط المستقيم ، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طياته إشارة خفيّة إلى أنّ التوحيد هو دين الفطرة.