يدفعها إلى إقامة العدل ، والدعوة إلى إشاعة الإنصاف ، ومواجهة الظلم والظالمين.
نعم ، إنّ القرآن هو الطريق الأقوم في كل تلك المستويات الآنفة الذكر ، وهو الأسلوب الأقوم في كل جوانب الحياة والوجود ، وعلى كافة القضايا والصعد.
ولكنّا هنا نقف مع نقطة حساسة ، وهي إذا كان القرآن هو الأقوم ، أي «أفعل تفضيل» فمعنى ذلك تفوقه في ميزات العدل وصفات الهداية والاستقامة ليس على سائر المذاهب والعقائد الوضعية وحسب ، وإنّما على سائر الأديان والشرائع السابقة عليه أيضا.
وإزاء المفهوم الذي تطرحه هذه النقطة نرى أنفسنا بحاجة إلى إثارة الحديث على النحو الآتي.
أوّلا : إذ كانت أطراف المقايسة هي الأديان السماوية الأخرى ، فلا شك أنّ كل دين وشريعة منها كانت أفضل وأقوم لوقتها وزمانها ، ولكن وفق قانون التكامل الذي وصلت البشرية بمقتضاه إلى أقصى حالات رشدها وتكاملها ، في زمن الرسالة الإسلامية الخاتمة والنّبوة الخاتمة ، فإنّ القرآن الكريم يعبّر تبعا لذلك عن أرقى وأقوم مضامين الهداية والاستقامة الاعتدال.
ثانيا : أمّا إذا كان طرف المقايسة هو المذاهب والعقائد الوضعية ، فمن الطبيعي جدّا أن يكون القرآن كتاب السماء الواصل إلينا من الله ذي العلم المطلق ، هو الأقوم والأظهر عليها ، لأنّ العقائد الوضعية مهما بلغت مزاياها فهي نتاج الفهم المحدود للبشر.
ثالثا : أشرنا في غير مكان إلى أن «أفعل تفضيل» لا يدلّ دائما على أنّ الموضوع لا بدّ وأن يكون طرفا للمقايسة ، كما في قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (١).
__________________
(١ ، ٢) ـ يونس ، ٣٥.