وعلى هامش هذه النقطة ينبغي أن لا يفوتنا أن تعبير «أقوم» في الآية الآنفة يشير إلى أنّ الإسلام هو آخر أديان السماء ، وأنّ النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم هو آخر الأنبياء.
وكيفية ذلك ، هو أنّ أقوم بوصفها أفعل تفضيل ، تمثل أعلى درجات التفضيل ، ولأنّ الآية لا تذكر الطرف الآخر في المقايسة والذي يكون القرآن أقوم بالنسبة إليه ، وطالما أنّ حذف المتعلق يدل على العموم كما يقول الأصوليون ، فينتج أنّ الإسلام آخر الأديان ، وأنّ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم الرسل ، لأنّه ليس بعد صيغة تفضيل «أقوم» من درجة في التفضيل.
بعد ذلك تشير الآيات إلى موقف الناس في مقابل الكتاب الأقوم ، هذا الموقف الذي ينقسم فيه الناس إلى فئتين ، فالأولى يكون حالها كما يقول تعالى : (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً).
أمّا الفئة الثّانية فيكون مصيرها تبعا لموقفها كما يقول تعالى : (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
وإذا كان استخدم «بشارة» واضح هنا بالنسبة للمؤمنين ، فهو بالنسبة لغيرهم من غير المؤمنين يقع على معنى السخرية والاستهزاء ، أو أنّه بشارة للمؤمنين أيضا تخبرهم عن حال غير المؤمنين (١).
ضمنا الآية تشير باختصار بليغ إلى جزاء المؤمنين وثوابهم فتقول : (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) أمّا غير المؤمنين فإنّ لهم بنفس صورة الإيجاز القرآني البليغ (عَذاباً أَلِيماً) وهذا الاختصار البليغ يطوي في كلا مجاليه صورا تفصيلية من الثواب والعقاب.
أمّا لماذا اقتصرت الآية في غير المؤمنين على صفة عدم إيمانهم بالآخرة
__________________
(١) في نهاية الآية (١٣٨) من سورة النساء قلنا : إنّ «البشارة» مشتقّة أصلا من «البشرة» بمعنى الوجه. والملاحظ أنّ صحيفة الوجه وبشرته كالمرآة تعكس كل خبر إذا كان سارا أو سيئا بشكل إيحاءات معينة.