أنّ مفهوم الإيمان داخل ضمنه ، ولكن يجب عدم الاكتفاء بهذا المقدار من الدلالة الالتزامية للإيمان ، بل وينبغي التوسع في شرط الإيمان ، بحكم أنّ (الإيمان) يعتبر أمرا أساسيا ، وركنا مهمّا في هذا الطريق.
والملاحظ هنا ، أنّ الآية تخاطب عبيد الدنيا بالقول : (جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ) بينما عند ما تنتقل إلى طلّاب الآخرة وعشّاقها ومريدها ، فهي تخاطبهم بالقول : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً). إنّ استخدام هذا التعبير أشمل وأجمل من استخدام أي تعبير آخر ، مثل (جزاءهم الجنّة) لأنّ الشكر من أي شخص هو بمقدار شخصيته ومكانته لا بمقدار العمل الذي تمّ ، لذا فإنّ شكر الله لسعي عباده يتناسب مع ذاته اللامتناهية ، ونعمه المادية والمعنوية وما نتصوره وما نعجز عن تصوّره.
وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد فسّروا كلمة «مشكورا» في هذه الآية بمعنى «الأجر المضاعف» (١). أو بمعنى «قبول العمل» (٢) ، إلّا أنّه من الواضح أن كلمة «مشكورا» لها معنى أوسع من هذه المعاني جميعا.
وقد يتوهم البعض ويلتبس عليه الأمر ، ظنا أنّ نعم الدنيا هي من نصيب عبيدها وطلابها فقط ، وأنّ طلّاب الآخرة وأهلها محرومون منها. لذلك فإنّ الآية التي بعدها تقف أمام هذا اللبس ، وتمنع هذا الظن ، عند ما تقول : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) لتضيف بعدها بقليل : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً).
نمدّ هنا من «الإمداد» بمعنى الزيادة.
الآية التي بعدها تشير إلى أصل مهم في هذا الخصوص وتقول : كما أن السعي في هذه الدنيا متفاوت ، وتتفاوت معه الأجور ، فكذلك الأمر في الآخرة : ولكن التفاوت الدنيوي محدود ، لأنّ الدنيا هي نفسها محدودة ، وأمّا الآخرة ـ ولكونها
__________________
(١) يراجع في هذا الشأن تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٣٨٥٢.
(٢) راجع تفسير الصافي عند الحديث عن هذه الآية.