إنّ حرمة دم الإنسان في الإسلام لا تختص بالمسلمين وحسب ، بل تشمل غير المسلمين أيضا من غير المحاربين ، والذين يعيشون مع المسلمين عيشة مسالمة ، فإنّ دماءهم ـ أيضا ـ وأعراضهم وأرواحهم مصونة ويحرم التجاوز عليها.
تشير الآية بعد ذلك إلى إثبات حق القصاص بالمثل لولي القتيل فتقول : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً). ولكن في نفس الوقت ينبغي لولي المقتول أن يلتزم حد الاعتدال ولا يسرف (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) إذا ما دام ولي الدم يتحرك في الحدود الشرعية فإنّه سيكون موردا لنصرة الله تعالى.
والنهي عن الإسراف تشير إلى واقع كان سائدا في الجاهلية ، واليوم أيضا يمكن مشاهدة نماذج لها ، فحين يقتل فرد من قبيلة معينة ، فإنّها تقوم بهدر الكثير من الدماء البريئة من قبيلة القاتل.
أو أن يقوم أولياء الدم بقتل أناس أبرياء أو الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. كأن يكون المقتول شخصا معروفا وذا منزلة اجتماعية. فإنّ أهله وفق الأعراف الجاهلية ، سوف لن يكتفوا بحدّ القصاص الشرعي ، بل يقتلون فردا معروفا ومكافئا في منزلته الاجتماعية للمقتول من قبيلة القاتل ، حتى وإن لم يكن له أي دور في عملية القتل. (١).
وعصرنا الحاضر ، شهد من التجاوز في الإسراف وهدر دماء الأبرياء ما غسل معه عار أهل الجاهلية ، فهذه إسرائيل اليوم تقوم بحجة قتل أحد جنودها بإلقاء القنابل والصواريخ على رؤوس النساء والأطفال الفلسطنيين الأبرياء ، وتعمد إلى هدم ديارهم.
__________________
(١) يراجع تفسير الآلوسي (روح المعاني) أثناء حديثه عن هذه الآية.