من البديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن تضليل خلقه ، إلّا أنّ محاولة إبليس لتبرير ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة والشياطين ، فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أوّلا ومن ثمّ يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا ، والمصيبة أن مواقفهم تلك إنّما يواجهون بها ربّ العزة والجبروت ، وكأنّهم لا يعلمون أنّه لا تخفى عليه خافية.
وينبغي ملاحظة أن «المخلصين» جمع مخلص (بفتح اللام) وهو ـ كما بيّناه في تفسير سورة يوسف ـ المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلم وتربية ومجاهدة مع النفس ، فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشيطان وأيّ وسواس آخر.
ثمّ قال تعالى تحقيرا للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص : (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ).
يعني ، يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس ، لكن الذين يتبعونك إن هم إلّا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.
وبعبارة أخرى ... إنّ الإنسان حر الإرادة ، وإنّ إبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إنسانا واحدا على السير في طريق الفساد والضلال ، لكنّه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه!
وخلاصة القول : إنّ الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان ، إلّا أنّ القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان ، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجهة صوب الإيمان المخلص.
وأراد الله سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر