المجتمعات سواء كانت مؤمنة أم كافرة ، أيّ بشر أنتم؟ لا تفهمون أبسط المسائل الإنسانية، فإن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم! ثمّ أضاف قائلا : (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ)(١) أمام ضيفي.
ولكنّهم من الوقاحة والإصرار على الانحراف بحيث صاروا لا يشعرون بالخجل من أنفسهم ، بل راحوا يحاججون لوطا ويحاسبونه ، وكأنّه ارتكب جرما في استضافته لهؤلاء القوم (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) ، باستضافتهم! فلما ذا خالفت أمرنا؟!
وكان قوم لوط من البخل بحيث أنّهم لا يحبون الضيافة ، وكانت مدينتهم على طريق القوافل ، ويبررون فعلهم القبيح ببعض الواردين لأجل أن لا ينزل عندهم أحد من القوافل المارة ، وتعارفوا على ذلك حتى أصبح عندهم عادة.
وكما يبدو أنّ لوطا كان حينما يسمع بأحد الغرباء يدخل المدينة يسرع لاستضافته خوفا عليه من عمل قومه الخبيث ، ولما علم أهل المدينة بذلك جاؤوا إليه غاضبين ونهوه عن أن يستضيف أحدا مستقبلا.
عليه ، فكلمة «العالمين» في الآية أعلاه ـ ما يبدو ـ إشارة إلى عابري السبيل ، ومن هم ليسوا من أهل تلك المدينة.
وعند ما رآهم لوط على تلك الحال من الوقاحة والجسارة ، أتاهم من طريق آخر لعلهم يستفيقون من غفلتهم وسكر انحرافهم ، فقال لهم : إن كنتم تريدون إشباع غرائزكم فلما ذا تسلكون سبيل الانحراف ولا تسلكون الطريق الصحيح (الزواج) (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ).
__________________
(١) نرى في هذه الآيات أن لوطا يطلب من قومه أن لا يفضحوه تارة وألّا يخزوه تارة أخرى ، الفضيحة لغة بمعنى: انكشاف شيء ، وظهور العيب أيضا (وأراد لوط أنّه يفهمهم بأن عملكم القبيح هذا سيخجلني أمام ضيوفي ويعرفوا مدى خباثة أهل مدينتي).
أمّا الخزي : فهو بمعنى الإبعاد وكذلك بمعنى الخجل (وأراد لوط أن يقول لهم : لا تخجلوني أمام ضيوفي وتباعدوا بيني وبينهم).