وأساسا فإنّ كلّ مورد يأتي الكلام فيه عن السماء والأرض ، والخلق والخلقة وأمثال ذلك ، فإنّ «الأمر» يأتي بهذا المعنى (فتأمّل).
٢ ـ كلمة «التدبير» تستعمل أيضا في مورد الخلقة والخلق وتنظيم وضع عالم الوجود ، لا بمعنى إنزال الدين والشريعة ، ولذلك نرى في آيات القرآن الاخرى ـ والآيات يفسّر بعضها بعضا ـ أنّ هذه الكلمة لم تستعمل مطلقا في مورد الدين والمذهب ، بل استعملت كلمة «التشريع» أو «التنزيل» أو «الإنزال» :
ـ (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً). (١)
ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٢).
ـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ). (٣)
٣ ـ إنّ الآيات التي قبل وبعد هذه الآية مرتبطة بالخلقة وخلق العالم ، ولا ترتبط بتشريع الأديان ، لأنّ الكلام في الآية السابقة كان عن خلق السماء والأرض في ستّة أيّام ـ وبعبارة اخرى ستّ مراحل ـ والكلام في الآية التالية عن خلق الإنسان.
ولا يخفى أنّ تناسب وانسجام الآيات يوجب أن تكون هذه الآية المتوسّطة لآيات الخلقة مرتبطة بمسألة الخلقة وتدبير أمر الخلق ، ولهذا فإنّنا إذا طالعنا كتب التّفسير التي كتبت قبل مئات السنين فإنّنا لا نجد أحدا قد احتمل أن تكون الآية متعلّقة بتشريع الأديان ، بالرغم من أنّهم احتملوا احتمالات مختلفة ، فمثلا : مؤلّف تفسير «مجمع البيان» ـ وهو من أشهر التفاسير الإسلامية ، ومؤلّفه عاش في القرن السادس الهجري ـ لم ينقل عن أحد علماء الإسلام قولا يدّعي فيه أنّ الآية ترتبط بتشريع الأديان ، مع أنّه ذكر أقوالا مختلفة في تفسير الآية أعلاه.
__________________
(١) الشورى ، ١٣.
(٢) المائدة ، ٤٤.
(٣) آل عمران ، ٣.