ويتبيّن ممّا قلناه أنّ المراد من «المجرمين» هنا الكافرون ، وخاصّة منكري القيامة.
وعلى كلّ حال ، فليست هذه المرّة الاولى التي نواجه فيها هذه المسألة في آيات القرآن ، وهي أنّ المجرمين يندمون أشدّ الندم عند مشاهدة نتائج الأعمال والعذاب الإلهي ، ويطلبون الرجوع إلى الدنيا ، في حين أنّ مثل هذا الرجوع غير ممن في السنّة الإلهية ، كما أنّ رجوع الطفل إلى رحم الأمّ ، والثمرة المقطوفة إلى الشجرة غير ممكن.
والجدير بالذكر أنّ طلب المجرمين الوحيد هو الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا ، ومن هنا يتّضح جيّدا أنّ رأس مال النجاة الوحيد في القيامة هو الأعمال الصالحة .. تلك الأعمال التي تنبع من قلب طاهر مليء بالإيمان ، وتتمّ بخالص النيّة.
ولمّا كان كلّ هذا الإصرار والتأكيد على قبول الإيمان قد يوهم عجز الله سبحانه عن أن يلقي نور الإيمان في قلوب هؤلاء ، فإنّ الآية التالية تضيف : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها).
فمن المسلّم أنّ الله تعالى يمتلك مثل هذه القدرة ، إلّا أنّ الإيمان الذي يتحقّق ويتمّ بالإجبار لا قيمة له ، ولذا فالمشيئة الإلهيّة أرادت أن ينال الإنسان شرف كونه مختارا ، وأن يسير في طريق التكامل بحريته وإختياره ، ولذلك تضيف في النهاية لقد قرّرت أن أخلق الإنسان مختارا (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
أجل .. إنّ المجرمين سلكوا هذا الطريق بسوء اختيارهم ، ولذلك فهم مستحقّون للعقاب ، ونحن قد قطعنا على أنفسنا أن نملأ جهنّم منهم.
وبملاحظة ما قلناه ، وبملاحظة مئات الآيات القرآنية التي تعتبر الإنسان موجودا مختارا ذا إرادة ، ومكلّفا بتكاليف ، ومسئولا عن أعماله ، وقابلا للهداية