في الآيات السابقة حول المجرمين والكافرين ، فإنّه يتطرّق إلى صفات المؤمنين الحقيقيين البارزة ، ويبيّن أصولهم العقائدية ، وبرامجهم العملية بصورة مضغوطة ضمن آيتين بذكر ثمان صفات (١) ، فيقول أوّلا : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
التعبير بـ (إنّما) الذي يستعمل عادة لإفادة معنى الحصر ، يبيّن أنّ كلّ من يتحدّث عن الإيمان ويتمشدق به ، ولا يمتلك الخصائص والصفات التي وردت في هذه الآيات ، فإنّه لا يكون في صفّ المؤمنين الواقعيين ، بل هو شخص ضعيف الإيمان.
لقد بيّنت في هذه الآية أربع صفات :
١ ـ أنّهم يسجدون بمجرّد سماعهم آيات الله ، والتعبير بـ (خَرُّوا) بدل (سُجَّداً) إشارة إلى نكتة لطيفة ، وهي أنّ هؤلاء المؤمنين ينجذبون إلى كلام الله لدى سماعهم آيات القرآن ويهيمون فيها بحيث يسجدون لا إراديا (٢).
نعم .. إنّ أوّل خصائص هؤلاء هو العشق الملتهب ، والعلاقة الحميمة بكلام محبوبهم ومعشوقهم.
لقد ذكرت هذه الصفة والخاصية في بعض آيات القرآن الاخرى كأحد أبرز صفات الأنبياء ، كما يقول الله سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا). (٣)
__________________
(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ الآية الاولى هي اولى السجدات الواجبة في القرآن الكريم ، وإذا ما تلاها أحد بتمامها ، أو سمعها من آخر فيجب أن يسجد. طبعا لا يجب فيها الوضوء ، لكن يجب الاحتياط في وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه.
(٢) يقول الراغب في المفردات : (خرّوا) في الأصل من مادّة الخرير ، أي صوت الماء وأمثاله حين انحداره من مرتفع إلى منخفض ، واستعماله هذا التعبير في شأن الساجدين إشارة إلى أنّ هؤلاء ترتفع أصواتهم بالتسبيح في لحظة هويّهم إلى الأرض للسجود.
(٣) سورة مريم ، الآية ٥٨.