وتتّضح من هذه الآية إحدى حكم المصائب والابتلاءات والآلام التي تعتبر من المسائل الملحّة والمثيرة للجدل في بحث التوحيد ومعرفة الله وعدله.
وليس في هذه الآية فحسب ، بل أشير في آيات اخرى من القرآن إلى هذه الحقيقة ، ومن جملتها في الآية (٩٤) من سورة الأعراف (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).
ولمّا لم تنفع أيّة وسيلة من وسائل التوعية والتنبيه ، حتّى العذاب الإلهي ، لم يبق طريق إلّا انتقام الله من هؤلاء القوم الذين هم أظلم الناس ، وكذلك تقول الآية التالية : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ).
فلم تؤثّر فيهم النعمة الإلهيّة ، ولا العذاب والابتلاءات التحذيرية ، وعلى هذا فلا أحد أظلم منهم ، وإذا لم ينتقم من هؤلاء فممّن الانتقام؟
من الواضح ـ وبملاحظة الآيات السابقة ـ أنّ المراد من «المجرمين» هنا هم منكرو المبدأ والمعاد الذين لا إيمان لهم.
وقد وصف جماعة من الناس في آيات القرآن مرارا بأنّهم (أظلم) من الباقين ، وبالرغم من تعبيراتها المختلفة إلّا أنّها تعود جميعا إلى أصل الكفر والشرك ، وبناء على هذا فإنّ معنى (أظلم) الذي يعتبر صيغة تفضيل يتطابق مع هذه المصاديق.
والتعبير بـ (ثمّ) في الآية ، والذي يدلّ عادة على التراخي ، لعلّه إشارة إلى أنّ أمثال هؤلاء يعطون فرصة ومجالا كافيا للتفكير والبحث ، ولا تكون معاصيهم الابتدائية سببا لانتقام الله أبدا ، إلّا أنّهم سيستحقّون انتقام الله عزوجل بعد انتهاء الفرصة اللازمة.
ويجب الالتفات إلى أنّ التعبير بـ «الانتقام» يعني العقوبة في لسان العرب ، ومع أنّ معنى الكلمة أصبح في المحادثات اليومية يعني تشفّي القلب وإبراد الغليل من العدو ، إلّا أنّ هذا المعنى لا وجود له في الأصل اللغوي ، ولذلك فإنّ هذا التعبير قد