سبحانه ، إلّا أنّ مرحلتها الابتدائية تقع قبل كلّ هذه المسائل ، لأنّ الإنسان إذا لم يحسّ بالمسؤولية داخليا ، فإنّه لا يسعى للتحقّق من دعوة الأنبياء والتثبّت منها ، ولا يصغي إليها ، وحتّى مسألة (دفع الضرر المحتمل) التي عدّها علماء الكلام والعقائد أساس ودعامة السعي إلى معرفة الله ، فإنّها في الحقيقة فرع التقوى.
الثّاني : نفي ورفض طاعة الكافرين : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) وتقول الآية في النهاية تأكيدا لهذا الموضوع : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فإنّه تعالى حينما يأمرك بعدم إتّباع هؤلاء ، فإنّ ذلك صادر عن حكمته اللامتناهية ، لأنّه يعلم ما اخفي في هذا الإتّباع والمهادنة من المصائب ، الأليمة ، والمفاسد الجمّة.
وعلى كلّ حال ، فإنّ أوّل وظيفة بعد التقوى والإحساس بالمسؤولية ، هي غسل القلب وتصفيته من الغير ، واقتلاع الأشواك الضارّة المؤذية من هذه الأرض المعنوية.
الثّالث : نثر بذور التوحيد واتّباع الوحي الإلهي ، فيقول : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) واحذر فـ (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وبناء على هذا فإنّ الواجب الأوّل هو طرد الشياطين من أعماق الروح لتحلّ محلّها الملائكة ، وأن تقلع الأشواك لتبذر محلّها الورود ، ويجب أن تطهّر الأرض من الطواغيت لتخلّفهم حكومة الله ونظامه المقدّس.
ولمّا كانت هناك مشاكل كثيرة ، وتهديدات ومؤامرات ، ومعوّقات في الاستمرار في سلوك هذا الطريق ، فإنّه تعالى يصدر الأمر الرابع بأن (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) فلو أنّ الف عدوّ يسعى لقتلك ، فلا تخش ولا تخف منهم لأنّي ناصرك ومعينك.
ومع أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبي صلىاللهعليهوآله ، إلّا أنّه خطاب لكلّ المؤمنين ، ولعامّة المسلمين ، وهو وصفة طبية تمنح الحياة ، ودواء لبث النشاط والحيوية في كلّ عصر وزمان.