ثمّ تذكر أخيرا عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول : (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
إنّ التعبير بـ (وَلَّى مُسْتَكْبِراً) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعا من تضرّر مصالحه الدنيويّة والحدّ من رغباته وشهواته فحسب ، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك ، فإنّ فيه دافع التكبّر أمام عظمة الله وآياته ، وهو أعظم ذنب فيه.
والرائع في تعبير الآية أنّها تقول أوّلا : إنّه لم يعبأ بآيات الله كأنّه لم يسمعها قطّ ، ويمرّ عليها دون اكتراث بها ، ثمّ تضيف : بل كأنّه أصمّ لا يسمع أيّ كلام قطّ!
إنّ جزاء مثل هؤلاء الأفراد يناسب أعمالهم ، فكما أنّ أعمالهم كانت مؤلمة ومؤذية لأهل الحقّ ، فإنّ الله سبحانه قد جعل عقابهم وعذابهم أليما أيضا.
وينبغي الالتفات إلى أن تعبير (بشّر) في مورد العذاب الإلهي الأليم ، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتّخذون آيات الله هزوا ، والتشبّه بصفات أبي جهل ، حيث كانوا يفسّرون «زقّوم جهنّم» بالزبد والتمر!
ثمّ تعود الآيات التالية إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيّين ، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلا ثمّ ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضا ، فتقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ).
أجل ، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود ، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله.
إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي ، والعين البصيرة ، والاذن السامعة التي منحهم الله إيّاها ، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحا ، فما أجدر أن يكون لأولئك العذاب الأليم ، ولهؤلاء جنّات النعيم!
والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء (خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا) والله سبحانه لا يعد كذبا ، وليس عاجزا عن الوفاء بوعوده (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة ، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة