بناء على هذا فإنّ مفهوم الآية يصبح : إنّ أولي الأرحام أولى من الأجانب من ناحية الإرث ، أمّا كيف يرث هؤلاء الأرحام؟ وعلى أي أساس ومعيار؟ فإنّ القرآن سكت عن ذلك في هذا الموضع ، مع أنّه بحث الموضوع مفصّلا في آيات سورة النساء (١).
٤ ـ الحكم الرّابع الذي ورد في الآية أعلاه كاستثناء ، هو استفادة وانتفاع الأصدقاء والأفراد المعينين الذين يخصّهم الأمر من الأموال التي يتركها الإنسان كذكرى ، والذي بيّن بجملة : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) ومصداقه الواضح هو حكم الوصيّة ، حيث يستطيع الإنسان أن يتصرّف في ثلث أمواله ويضعه حيث يشاء ، أو يوصي به لمن يشاء.
وبهذا فإنّ الإسلام عند ما وضع أساس الإرث على دعامة القرابة والرحم بدل الروابط والعلاقات السابقة ، لم يقطع وشائج الصلة بين الإنسان ورفقائه الذين يعزّهم وباقي إخوته المسلمين تماما ، فالإنسان حرّ في التصرّف في ماله من ناحية الكميّة والكيفيّة ، إلّا أنّ هذه الحرية مشروطة بأن لا تزيد على الثلث ، ومن الطبيعي أنّ الإنسان إذا لم يوص بشيء فإنّ كلّ أمواله تقسّم بين أقاربه وذوي رحمه طبقا لقانون الإرث ، ولا يترك له ثلث في هذه الحالة (٢).
* * *
__________________
(١) بناء على هذا ، فإنّ استدلال بعض الفقهاء بهذا التعبير على أولوية طبقات الإرث بالنسبة إلى بعضها البعض لا يبدو صحيحا ، وربّما سبّب حرف الباء في (أولى ببعض) مثل هذا الاشتباه ، فظنّوا أنّ المفضّل عليهم هنا هم البعض ، في حين أنّ القرآن الكريم ذكر صريحا أنّ المفضّل عليهم هم من المؤمنين والمهاجرين. نعم .. إنّ تعبير (أولو الأرحام) لا يستطيع أن يشعر بمفرده أنّ المعيار هو الرحم والقرابة ، وأنّ درجة القرابة كلّما قويت وارتفعت فستكون أحقّ بالتقدّم ـ لاحظوا ذلك ـ.
(٢) يعتقد جمع من المفسّرين أنّ الاستثناء في جملة (إلّا أن تفعلوا ..) استثناء منقطع ، لأنّ حكم الوصيّة غير حكم الإرث ، ولكنّا نعتقد أن لا مانع من أن يكون الاستثناء هنا متّصلا ، لأنّ جملة (وأولو الأرحام ...) دليل على أن الأقارب أولى من الأجانب بالنسبة إلى الأموال التي يتركها الميّت ، إلّا أن يكون قد أوصى ، فإنّ الموصى له يكون حينئذ أولى من الأرحام في إطار الثلث ، وهذا في الحقيقة شبيه بالاستثناءات التي وردت في آيات الإرث بصيغة (من بعد وصيّة ...).