العزم ، وعلى رأسهم نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله لعظمته وجلالته وشرفه ، وبعده الأنبياء الأربعة من أولي العزم حسب ترتيب ظهورهم ، وهم : «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى» عليهمالسلام.
وهذا يوحي بأنّ الميثاق المذكور كان ميثاقا عامّا أخذ من جميع الأنبياء ، وإن كان أولو العزم متعهّدين بذلك الميثاق ومسئولين عنه بصورة أشدّ. ذلك الميثاق الذي بيّن بتأكيد شديد جدّا بجملة : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (١).
المهمّ أن نعلم أيّ ميثاق هذا الذي أخذ من كلّ الأنبياء؟! للمفسّرين هنا أقوال مختلفة يمكن القول أنّها جميعا فروع مختلفة لأصل واحد ، وهو تأدية مسئولية التبليغ والرسالة والقيادة وهداية الناس في كلّ الأبعاد والمجالات.
إنّ الأنبياء كانوا مكلّفين جميعا بدعوة كلّ البشر إلى التوحيد قبل كلّ شيء ، وكانوا مكلّفين أيضا بأن يؤيّد بعضهم بعضا ، كما أنّ الأنبياء اللاحقين يصدّقون ويؤكّدون صحّة دعوة الأنبياء السابقين. والخلاصة : أن تكون الدعوة إلى جهة واحدة ، وأن يبلغ الجميع حقيقة واحدة ، ويوحّدوا الأمم تحت راية واحدة.
ويمكن ملاحظة الشاهد على هذا الكلام في سائر آيات القرآن أيضا ، فنقرأ في الآية (٨١) من سورة آل عمران : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
وورد نظير هذا المعنى في الآية (١٨٧) من سورة آل عمران ، حيث تقول بصراحة : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) وعلى هذا فإنّ الله سبحانه قد أخذ الميثاق المؤكّد من الأنبياء بأن يدعوا الناس إلى توحيد الله ، وتوحيد دين الحقّ والأديان السماوية ، وكذلك أخذه من علماء أهل
__________________
(١) الميثاق ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ هو العقد المؤكّد بيمين وعهد ، وبناء على هذا فإن ذكر (غليظا) في الآية تأكيد يضاف على هذا المعنى.