للأمم ، لأنّ أهمّ جانب من جوانب دعوة الأنبياء وأكثرها تأثيرا هي الدعوة العملية ، ولذلك فإنّ علماء الإسلام اعتبروا العصمة شرطا لمقام النبوّة ، وإحدى أدلّتها وبراهينها هي أنّهم يجب أن يكونوا «قدوة» للناس ، و «أسوة» للبشر.
وممّا يسترعي الانتباه أنّ التأسّي بالنّبي صلىاللهعليهوآله الوارد في هذه الآية قد جاء بصورة مطلقة ، وهذا يشمل التأسّي في كافّة المجالات بالرغم من أنّ سبب نزول هذه الآيات هي معركة الأحزاب ، ونعلم أنّ أسباب النّزول لا تحدّد مفاهيم الآيات بها مطلقا ، ولذلك نرى في الأحاديث الشريفة أنّ أهمّ المسائل وأبسطها قد طرحت في مسألة التأسّي.
ففي حديث عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام : «إنّ الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عزوجل لنبيّه : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته لقوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «إنّ رسول الله كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمرا» ثمّ يبيّن كيفية صلاة الليل التي كان يصلّيها النّبي صلىاللهعليهوآله ، ويقول في آخر الحديث : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٢).
وإذا ما اتّخذنا النّبي صلىاللهعليهوآله أسوة لنا في حياتنا حقّا ، في إيمانه وتوكّله ، في إخلاصه وشجاعته ، في تنظيم أمره ونظافته ، وفي زهده وتقواه ، فإن أسلوب حياتنا سيختلف تماما ، وسيعمّ الضياء والسعادة كلّ زوايا حياتنا ونواحيها.
يجب اليوم على كلّ المسلمين ، وخاصّة الشباب المؤمن ، أن يقرءوا سيرة نبيّنا الأكرم صلىاللهعليهوآله ، بدقّة متناهية ويحفظوها ، ويجعلوه قدوة وأسوة لهم في كلّ شيء ، فإنّ هذا التأسّي والاقتداء به سبيل السعادة ، ومفتاح النصر والعزّة.
__________________
(١) إحتجاج الطبرسي طبقا لنقل نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٢٥٥.
(٢) وسائل الشيعة ، المجلّد ١ ، صفحة ٣٥٦.