«بني النضير» إلى خيبر ، وبعضهم الآخر إلى الشام (١).
بناء على هذا فإنّ «بني قريظة» كانوا آخر من بقي في المدينة إلى السنة الخامسة للهجرة حيث وقعت غزوة الأحزاب ، وكما قلنا في تفسير الآيات السبع عشرة المتعلّقة بمعركة الأحزاب ، فإنّهم نقضوا عهدهم في هذه المعركة ، واتّصلوا بمشركي العرب ، وشهروا السيوف بوجه المسلمين.
بعد انتهاء غزوة الأحزاب والتراجع المشين والمخزي لقريش وغطفان وسائر قبائل العرب عن المدينة ، فإنّ النّبي صلىاللهعليهوآله ـ طبقا للرّوايات الإسلامية ـ عاد إلى منزله وخلع لامة الحرب وذهب يغتسل ، فنزل عليه جبرئيل بأمر الله وقال : لماذا ألقيت سلاحك وهذه الملائكة قد استعدّت للحرب؟ عليك أن تسير الآن نحو بني قريظة وتنهي أمرهم.
لم تكن هناك فرصة لتصفية الحساب مع بني قريظة أفضل من هذه الفرصة ، حيث كان المسلمون في حرارة الإنتصار ، وبنو قريظة يعيشون لوعة الهزيمة المرّة ، وقد سيطر عليهم الرعب الشديد ، وكان حلفاؤهم من قبائل العرب متعبين منهكي القوى خائري العزائم ، وهم في طريقهم إلى ديارهم يجرّون أذيال الخيبة ، ولم يكن هناك من يحميهم ويدافع عنهم.
هنا نادى مناد من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن توجّهوا إلى بني قريظة قبل أن تصلّوا العصر ، فاستعدّ المسلمون بسرعة وتهيّئوا للمسير إلى الحرب ، وما كادت الشمس تغرب إلّا وكانت حصون بني قريظة المحكمة محاصرة تماما.
لقد استمرت هذه المحاصرة خمسة وعشرين يوما ، وأخير سلّموا جميعا ـ كما سيأتي في البحوث ـ فقتل بعضهم ، وأضيف إلى سجل انتصارات المسلمين انتصار عظيم آخر ، وتطهّرت أرض المدينة من دنس هؤلاء المنافقين والأعداء اللدودين
__________________
(١) الكامل لابن الأثير ، المجلّد ٢ ، صفحة ١٣٧ ـ ١٧٣.