مثلا ـ ساحة لسفك الدماء لأسباب تافهة عدّة مرّات ، وقتل على أثرها أفراد معدودون ، فقد وقعت في جاهلية عصرنا حروب ذهب ضحيّتها عشرون مليون إنسان ، وجرح وتعوّق أكثر من هذا العدد!
وإذا كانت النساء «تتبرّج» في زمن الجاهلية ويلقين خمرهنّ عن رؤوسهن بحيث كان يظهر جزء من صدورهنّ ونحورهنّ ، وقلائدهنّ وأقراطهنّ ، ففي عصرنا تشكّل نواد تسمّى بنوادي العراة ـ ونموذجها مشهور في بريطانيا ـ حيث يتعرّى أفرادها كما ولدتهم امّهاتهم ، وفضائح البلاجات على سواحل البحار والمسابح ، بل وحتّى في الأماكن العامّة وعلى قارعة الطريق يخجل القلم من ذكرها.
وإذا كانت في الجاهلية «زانيات من ذوات الأعلام» ، حيث كنّ يرفعن أعلاما فوق بيوتهنّ ليدعين الناس إلى أنفسهنّ ، في جاهلية قرننا أناس يطرحون أمورا ومطالب في هذا المجال عبر صحف خاصّة ، يندى لها الجبين ، ولجاهلية العرب مائة مرتبة من الشرف على هذه الجاهلية.
والخلاصة : ماذا نقول عن وضع المفاسد التي توجد في عصرنا الحاضر .. عصر التمدّن المادّي الآلي الخالي من الإيمان ، فعدم الحديث عنها أولى ، ولا ينبغي أن نلوّث هذا التّفسير بذكرها.
إنّ ما قلناه كان جانبا من العبء الملقى على عاتقنا لبيان حياة الذين يبتعدون عن الله تعالى ، فإنّهم وإن امتلكوا آلاف الجامعات والمراكز العلمية والعلماء المعروفين ، فهم غارقون في وحل الفساد ومستنقع الرذيلة ، بل إنّهم قد يضعون هذه المراكز العلمية وعلماءها في خدمة هذه الفجائع والمفاسد أحيانا.
* * *