ومع غضّ النظر عن مثل هذه الاختلافات التي لها علاقة بالمكانات والمراكز الاجتماعية وظروفها الطبيعية ـ فلا شكّ في عدم وجود أي فرق بين الرجل والمرأة في تعليمات الإسلام من الناحية الإنسانية والمقامات المعنوية ، والآية المذكورة دليل واضح على هذه الحقيقة ، لأنّها وضعت المرأة والرجل في مرتبة واحدة ككفّتي ميزان لدى تبيانها خصائص المؤمنين ، وأهمّ المسائل العقائدية والأخلاقية والعملية ، ووعدت الإثنين بمكافاة متكافئة وثواب متساو بدون أي تفاوت واختلاف.
وبتعبير آخر : لا يمكن إنكار التفاوت الجسمي بين الرجل والمرأة ، كما لا يمكن إنكار التفاوت النفسي بينهما أيضا ، ومن البديهي أنّ هذا التفاوت ضروري لإدامة نظام المجتمع الإنساني ، كما أنّه يفرز آثارا ونتائج في بعض القوانين الحقوقية للمرأة والرجل ، إلّا أنّ الإسلام لم يطرح شخصية المرأة الإنسانية للمناقشة ـ كما فعل ذلك بعض القساوسة المسيحيين في القرون الماضية ـ بأنّ المرأة هل هي إنسان في الواقع؟ وهل لها روح إنسانية أم لا؟!
ولم يكتف بذلك فحسب ، بل أكّد على عدم الفرق بين الجنسين من ناحية الروح الإنسانية ، ولذلك نقرأ في الآية (٩٧) من سورة النحل (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
لقد أقرّ الإسلام للمرأة نفس الاستقلال الاقتصادي الذي أقرّه للرجل ، على عكس كثير من قوانين العالم السابقة ، بل وحتّى قوانين عالم اليوم التي لم تبح للمرأة الاستقلال الاقتصادي مطلقا.
من هنا ، فإنّنا نلاحظ في علم الرجال الإسلامي جانبا خاصّا يتعلّق بالنساء العالمات اللواتي كنّ في مصافّ الرواة والفقهاء ، وقد ذكرن كشخصيات مؤثّرة وفاعلة في التاريخ الإسلامي.