قد نزل من قبل ، إلّا أنّ بعض النسوة كنّ يتساهلن في تطبيقه ، فنزلت الآية المذكورة للتأكيد على الدقّة في التطبيق.
ولمّا كان نزول هذا الحكم قد أقلق بعض المؤمنات ممّا كان منهن قبل ذلك ، فقد أضافت الآية في نهايتها (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فكلّ ما بدر منكنّ إلى الآن كان نتيجة الجهل فإنّ الله سيغفره لكنّ ، فتبن إلى الله وارجعن إليه ، ونفذن واجب العفّة والحجاب جيدا.
بعد الأمر الذي صدر في الآية السابقة للمؤمنات ، تناولت هذه الآية بعدا آخر لهذه المسألة ، أي أساليب الأراذل والأوباش في مجال الإيذاء ، فقالت : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) (١).
(المرجفون) من مادّة «إرجاف» ، وهي إشاعة الأباطيل بقصد إيذاء الآخرين وإحزانهم ، وأصل الإرجاف : الاضطراب والتزلزل ، ولمّا كانت الإشاعات الباطلة تحدث اضطرابا عامّا ، فقد أطلقت هذه الكلمة عليها.
و (نغرينّك) من مادّة «الإغراء» ، ويعني الدعوة إلى تنفيذ عمل ، أو تعلّم شيء ، دعوة تقترن بالترغيب والتحريض.
ويستفاد من سياق الآية أنّ ثلاث فئات في المدينة كانت مشتغلة بأعمال التخريب والهدم ، وكلّ منها كان يحقّق أهدافه بأسلوب خاصّ ، فظهر ذلك كتيار ومخطّط جماعي ، ولم تكن له صبغة فردية :
فالفئة الاولى : هم «المنافقون» الذين كانوا يسعون لاقتلاع جذور الإسلام عبر مؤامرتهم ضدّه.
والثّانية : هم «الأراذل» الذين يعبّر عنه القرآن : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) كما
__________________
(١) (قليلا) هنا مستثنى من محذوف ، والتقدير : لا يجاورونك زمانا إلّا زمانا قليلا.