موضع آخر من القرآن : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (١) ، والمراد فترة الرضاعة الكاملة ، وإن كانت تتمّ أحيانا بفترة أقلّ.
وعلى كلّ حال ، فإنّ الامّ في هذه ال (٣٣) شهرا ـ فترة الحمل ، وفترة الرضاع ـ تبدي وتقدّم أعظم تضحية لولدها ، سواء كان من الجانب الروحي والعاطفي ، أو الجسمي ، أو من جهة الخدمات والرعاية.
والملفت للنظر هنا أنّها توصي في البداية بالوالدين معا ، إلّا أنّها عند بيان المشاقّ والمتاعب تؤكّد على متاعب الامّ ، لتنبّه الإنسان إلى إيثارها وتضحياتها وحقّها العظيم.
ثمّ تقول : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) فاشكرني لأنّي خالقك والمنعم الأصلّي عليك ، ومنحتك مثل هذين الأبوين العطوفين الرحيمين ، واشكر والديك لأنّهما واسطة هذا الفيض وقد تحمّلا مسئولية إيصال نعمي إليك. فما أجمل أن يجعل شكر الوالدين قرين شكر الله! وما أعمق مغزاه!
ويقول الله تعالى في نهاية الآية بنبرة لا تخلو من التهديد والعتاب : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ). نعم ، فإنّك إذا قصّرت هنا فستحاسب على كلّ هذه الحقوق والمصاعب والخدمات بدقّة فيجب على الإنسان أن يؤدّي ما عليه من شكر مواهب الله. وكذلك شكر نعمة وجود الأبوين وعواطفهما الصادقة الطاهرة لينجح في ذلك الحساب وتلك المحكمة.
وفي هذا المجال التفت بعض المفسّرين إلى مسألة لطيفة ، وهي أنّه قد ورد التأكيد على رعاية حقوق الأبوين مرارا في القرآن المجيد ، إلّا أنّ التوصية بالأولاد تلاحظ قليلا ـ ما عدا مورد النهي عن قتل الأولاد ، والتي كانت عادة مشؤومة قبيحة واستثنائية في عصر الجاهلية ـ وذلك لأنّ الوالدين ، وبحكم
__________________
(١) البقرة ، ٢٣٣.