والأرضون عن حملها إذا لم ينس مقامه ومنزلته (١).
وتبيّن الآية التالية علّة عرض هذه الأمانة على الإنسان ، وبيان حقيقة أنّ أفراد البشر قد انقسموا بعد حمل هذه الأمانة إلى ثلاث فئات : المنافقين والمشركين والمؤمنين ، فتقول : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
يوجد هناك احتمالان في معنى «اللام» في (لِيُعَذِّبَ) :
الأوّل : أنّها «لام الغاية» التي تذكر لبيان عاقبة الشيء ونهايته ، وبناء على هذا يكون معنى الآية : كانت عاقبة حمل هذه الأمانة أن سلك جماعة طريق النفاق ، وجماعة سبيل الشرك ، وهؤلاء سيبتلون بعذاب الله لخيانتهم أمانته ، وجماعة هم أهل الإيمان الذين ستشملهم رحمته لأدائهم هذه الأمانة والقيام بواجباتهم.
والثاني : أنّها «لام العلّة» ، فتكون هناك جملة مقدرة ، وعلى هذا يكون تفسير الآية : كان الهدف من عرض الأمانة أن يوضع كلّ البشر في بوتقة الاختبار ، ليظهر كلّ إنسان باطنه فيرى من الثواب والعقاب ما يستحقّه.
وهنا امور ينبغي الالتفات إليها :
١ ـ إنّ سبب تقديم أهل النفاق على المشركين هو أنّ المنافق يتظاهر بأنّه أمين في حين أنّه خائن ، إلّا أنّ خيانة المشرك ظاهرة مكشوفة ، ولذلك فإنّ المنافق يستحقّ حظّا أكبر من العذاب.
٢ ـ يمكن أن يكون سبب تقديم هاتين الفئتين على المؤمنين هو أنّ الآية
__________________
(١) اتّضح ممّا قلناه في تفسير الآية أن لا حاجة مطلقا إلى أن نقدر شيئا في الآية ، كما قال ذلك جمع من المفسّرين ، ففسّروا الآية بأنّ المراد من عرض أمانة الله على السماء والأرض والجبال هو عرضها على أهلها ، أي الملائكة! ولذلك قالوا بأنّ أولئك الذين أبوا أن يحملوها قد أدّوها ، وأولئك الذين حملوها خانوها. إنّ هذا التّفسير ليس مخالفا لظاهر الآية من ناحية الاحتياج إلى التقدير وحسب ، بل يمكن أن يناقش ويورد على اعتقاده بأنّ على الملائكة نوع تكليف ، وأنّها حاملة لجزء من هذه الأمانة. وبغضّ النظر عن كلّ ذلك فإنّ تفسير أهل الجبال بالملائكة لا يخلو من غرابة ، دقّقوا ذلك.