أمّا الذين يرون المعاد ـ لجهلهم وكفرهم ـ دليلا على الكذب أو الجنون ، إنّما يأسرون أنفسهم في عذاب العمى ، والضلال البعيد.
ومع أنّ بعض المفسّرين اعتبروا هذا العذاب إشارة إلى عذاب الآخرة ، ولكنّ ظاهر الآية يدلّل على أنّهم أسرى هذا العذاب والضلال الآن وفي هذه الدنيا.
ثمّ ينتقل القرآن الكريم لتقديم دليل آخر عن المعاد ، مقترن بتهديد الغافلين المعاندين فيقول تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ).
فإنّ هذه السماء العظيمة بكلّ عجائبها ، بكواكبها الثابتة والسيّارة ، وبالأنظمة التي تحكمها ، وكذلك الأرض بكلّ مدهشاتها وأنواع موجوداتها الحيّة ، وبركاتها ومواهبها ، لأوضح دليل على قدرة الخلّاق العظيم.
فهل أنّ القدير على كلّ هذه الأمور ، عاجز عن إعادة الإنسان بعد الموت إلى الحياة؟
وهذا هو «برهان القدرة» الذي استدلّ به القرآن الكريم في آيات اخرى في مواجهة منكري المعاد ، ومن جملة هذه الآيات ، الآية (٨٢) من سورة يس. الآية (٩٩) من سورة الإسراء والآيتين (٦ و٧) من سورة ق.
ونشير إلى أنّ هذه الجملة كانت مقدّمة لتهديد تلك الفئة المتعصّبة من ذوي القلوب السوداء ، الذين يصّرون على عدم رؤية كلّ هذه الحقائق. لذا يضيف تعالى قائلا : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) فنأمر الأرض فتنشقّ بزلزلة مهولة وتبتلعهم ، أو نأمر السماء فترميهم بقطعات من الحجر وتدمّر بيوتهم وتهلكهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أجل ، إنّ في هذا الأمر دلائل واضحة على قدرة الله تعالى على كلّ شيء ، ولكن يختّص بإدراك ذلك كلّ إنسان يتدبّر في مصيره ويسعى في الإنابة إلى الله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ).
لا بدّ أن سمع أو شاهد كلّ منّا نماذج من الزلازل أو الخسف في الأرض ، أو