وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا أجابه» (١).
وبعد ذكر هذه الفضيلة المعنوية ، تذكر الآية فضيلة مادية اخرى فتقول : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ).
يمكن القول ، بأنّ الله تعالى علّم داود ـ إعجازا ـ ما استطاع بواسطته تليين الحديد حتّى يمكنه من صنع أسلاك رقيقة وقوية لنسج الدروع منها ، أو أنّه كان قبل داود يستفاد من صفائح الحديد لصناعة الدروع والإفادة منها في الحروب ، ممّا كان يسبّب حرجا وإزعاجا للمحاربين نتيجة ثقل الحديد من جهة ، وعدم قابلية تلك الدروع للانحناء أو الالتواء حين ارتدائها ، ولم يكن أحد قد استطاع حتّى ذلك اليوم نسج الدروع من أسلاك الحديد الرفيعة المحكمة ، ليكون لباسا يمكن ارتداؤه بسهولة والإفادة من قابليته على التلوّي والانحناء مع حركة البدن برقّة وإنسياب (٢).
ولكن ظاهر الآية يدلّل على أنّ ليونة الحديد تمّت لداود بأمر إلهي ، فما يمنع الذي أعطى لفرن النار خاصية إلانة الحديد ، أن يعطي هذه الخاصية لداود بشكل آخر ، وقد أشارت بعض الروايات أيضا إلى هذا المعنى.
فقد روي عن الإمام الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : «إنّ الله أوحى إلى داود : نعم العبد أنت إلّا أنّك تأكل من بيت المال ، فبكى داود أربعين صباحا ، فألان الله له الحديد ، وكان يعمل كلّ يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستّين درعا فباعها بثلاثمائة وستّين ألفا فاستغنى عن بيت المال» (٣).
صحيح أنّ بيت المال يؤمّن مصارف الأشخاص الذين يقدّمون خدمة مجانية للامّة ، ويتحمّلون الأعباء التي لا يتحمّلها غيرهم ، ولكن ما أروع أن يستطيع
__________________
(١) الميزان ، ج ١٦ ، ص ٣٦٧.
(٢) انظر تفسير البرهان ، ج ٣ ، ص ٣٤٣. وتفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٣١٥.
(٣) مجمع البيان ـ ج ٨ ص ٣٨١.