والشكر ثلاثة أضرب : شكر القلب ، وهو تصوّر النعمة. وشكر اللسان ، وهو الثناء على المنعم ، وشكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها.
التعبير القرآني في الآية (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) يشير إلى أنّ الشكر أكثر من مقولة ، إنّه «عمل» ، ويجب أن يظهر من بين أعمال الإنسان ، وعليه فقد يكون القرآن الكريم قد عدّ الشاكرين الحقيقيين قلّة لهذا السبب. وفضلا عمّا ورد في هذه الآيات فإنّ في الآية (٢٣) من سورة الملك ، ذكر بعد تعداد بعض النعم الإلهية العظيمة ، كخلق السمع والبصر والقلب ، ذكر (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ، وكذا في الآية (٧٣) من سورة النمل ورد (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ). وهذا من جانب.
ومن جانب آخر فمع الالتفات إلى أنّ الإنسان غارق من رأسه حتّى أخمص قدميه بنعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى ، كما عبّر عن ذلك القرآن الكريم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) يتّضح لما ذا يمتنع الشكر كما ينبغي لله قبال جميع النعم التي أفاضها الباري جلّ وعلا.
بتعبير آخر ، وكما ورد على لسان بعض كبار المفسّرين ، فإنّ «الشكر المطلق» ، هو أن يكون الإنسان على ذكر دائم لله بلا أدنى نسيان ، سائرا في طريقه تعالى بدون أيّة معصية ، طائعا لأوامره بلا أدنى لفّ أو دوران ، ومسلّم بأنّ هذه الأوصاف لا تجتمع إلّا في القلّة النادرة ، ولا يصغى إلى قول من يقول : إنّه أمر بما لا يطاق ، فإنّه ناشئ من قلّة التدبّر في هذه الحقائق والبعد من ساحة العبودية (١).
قد يقال : إنّ أداء حقّ الشكر لله سبحانه وتعالى قضيّة معقّدة بلحاظ إنّه في الوقت الذي يقف فيه الإنسان في مقام الشكر ويوفّق لذلك ، بأن تتوفّر لديه أسباب أداء الشكر ، فإنّ ذلك بحدّ ذاته نعمة جديدة تحتاج إلى شكر آخر ، وبذا يستمرّ هذا الموضوع بشكل متتابع ، وكلّما بذل الإنسان جهدا أكثر في طريق الشكر سيكون مشمولا بنعمة متزايدة لا يمكنه معها أداء شكرها. لكن إذا انتبهنا أنّ أحد طرق أداء
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٤ ، ص ٣٨.