إلى جواب من طرف آخر ، بل إنّ للسائل والمجيب رأيا واحدا ، لأنّ المشركين يعتقدون بأنّ الله هو الخالق والرازق ، والأصنام لها مقام الشفاعة فقط.
من الجدير بالملاحظة ـ أيضا ـ أنّ الأرزاق التي تصل إلى الناس من السماء ليست محصورة بالغيث ، بل إنّ النور والحرارة الصادرة عن الشمس ، والهواء الموجود في جوّ الأرض ، هي الاخرى لا تقلّ أهميّة عن قطرات المطر.
كما أنّ بركات الأرض كذلك ، ليست محصورة في النباتات ، بل إنّ المنابع المائية تحت سطح الأرض ، والمعادن المختلفة التي كانت معروفة في ذلك الوقت والتي عرفت بعد مرور الزمان تندرج تحت هذا العنوان أيضا.
آخر الآية تشير إلى موضوع يمكنه أن يكون أساسا لدليل واقعي ومتوائم مع غاية الأدب والإنصاف ، بطريقة تستنزل الطرف المقابل من مركب الغرور والعناد الذي يمتطيه ، وتدفعه إلى التفكّر والتأمّل ، يقول تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١).
وهذا إشارة إلى : أنّ عقيدتنا وعقيدتكم متضادّتان ، وعليه ـ بناء على استحالة الجمع بين النقيضين ـ فلا يمكن أن تكون الدعوتان على حقّ ، لذا فمن المحتّم أن يكون أحد الفريقين أهل هدى ، والثّاني أسير الضلال.
والآن عليكم أن تفكّروا في أيّ الفئتين على هدى ، وأيّهما على ضلال؟ .. انظروا إلى علامات وخصائص كلّ منهما ، ومدى تطابقها مع علامات الهدى والضلال.
وهذا أحد أفضل أساليب المناظرة والبحث ، بأن يضع الطرف الآخر في حالة من التفكّر والتفاعل ، وما يتوهّمه البعض أنّ ذلك نوع من التقيّة فهو منتهى الاشتباه.
الملفت للنظر هو ذكر «على» من «الهدى» و «في» مع «الضلال» ، إشارة إلى أنّ
__________________
(١) هذه الجملة تقديرا تعود إلى جملتين كما يلي «وانّا لعلى هدى أو في ضلال مبين ، وإنّكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» (مجمع البيان ، مجلّد ٧ ، ص ٣٨٨).