نتيجة الأغلال التي غلّت بها رقابهم والسلاسل التي لفّتهم. مع أنّهم يطلقون صرخاتهم في مواقف اخرى من القيامة (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (١).
وقال آخرون : إن «أسرّوا» بمعنى «أظهروا» بناء على أنّ هذه اللفظة تستعمل لمعنيين متضادّين في اللغة العربية ، ولكن من ملاحظة الموارد التي استعملت فيها هذه اللفظة في القرآن وغير القرآن ، يبدو هذا المعنى مستبعدا ، بلحاظ أنّ «سرّ» عادة تستخدم للإشارة إلى ما يقابل «العلن». وقد ضعّف الراغب هذا المعنى أيضا مع أنّ بعض علماء اللغة أشار إلى كلا المعنيين (٢).
وعلى كلّ حال ، فإنّ هؤلاء قد وجدوا نتائج أعمالهم (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
نعم ، فأعمال وجنايات الكفّار والمجرمين هي التي أضحت قيودا وسلاسل تلفّ أعناقهم وأيديهم وأرجلهم ، لقد كانوا في هذه الدنيا أسارى هوى النفس والطمع والظلم والرغبة في المقام ، وفي يوم القيامة حيث تتجسّد الأعمال ، يظهر ذلك الأسر بشكل آخر ... إذن ، فالآية تشير أيضا إلى قضيّة تجسّم الأعمال التي أشرنا إليها مرارا. لأنّها تقول : (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وأي تعبير أكثر وضوحا وحيوية من ذلك التعبير عن تجسّم الأعمال.
التعبير بـ «الذين كفروا» يشير إلى أنّ فريقي الغاوين والمغويين المستضعفين وكلّ الكفّار يلقون ذلك المصير ، وعادة فإنّ ذكر ذلك الوصف هو إشارة إلى أنّ علّة عقابهم إنّما هي «كفرهم».
* * *
__________________
(١) الأنبياء ، ١٤.
(٢) انظر لسان العرب ذيل مادّة (سرّ) فهناك بحث مفصّل بهذا الخصوص مع اختلافات أهل اللغة والأدب ، مجلّد ٤ ، ص ٣٥٧.