آفة أو ألم ، ولا خوف حتّى من الخوف! ، وليس أغلى من هذه النعمة بأن يكون الإنسان آمنا من كلّ جانب ، فلا بلاء أشدّ من الإحساس بعدم الأمن في مختلف جوانب الحياة.
الآية التالية تصف الفريق المقابل لهؤلاء ، فتقول : أمّا هؤلاء الذين يسعون ويجتهدون لتسفيه آياتنا ، لا يؤمنون ولا يتركون غيرهم يسيرون في طريق الإيمان ، ويتوهّمون أنّهم يستطيعون الفرار من يد قدرتنا ، هؤلاء يحضرون في عذاب أليم يوم القيامة (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
هؤلاء هم الذين اعتمدوا على أموالهم وأولادهم وكثرة عددهم لتكذيب الأنبياء ، وعملوا على إغواء عباد الله ، حتّى بلغ غرورهم درجة أن توهّموا أنّهم يفلتون من قبضة العذاب الإلهي ، ولكن هيهات فانّ مصيرهم في قلب جهنّم.
وبما أنّ جملة (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) ليس فيها ما يدلّل على الزمان الآتي ـ فقد تكون إشارة إلى كون هؤلاء مأسورين بالعذاب حتّى في الوقت الحاضر ، وأي عذاب أشدّ من هذا السجن الذي صنعوه لأنفسهم من أموالهم وأولادهم.
كذلك يحتمل أن يكون التعبير للتدليل على أنّ وعد الله مسلّم به إلى درجة يمكن القول بأنّهم حاليا فيه ، كما هو الحال بالنسبة إلى قوله : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ).
«معاجزين» : كما ذهب بعض أرباب اللغة إلى أنّ معناه أنّ هؤلاء تصوّروا أنّهم يستطيعون الفرار من دائرة قدرة الله تعالى وجزائه وعقابه ، إلّا أنّ هذا التوهّم باطل وسراب خادع (١).
* * *
__________________
(١) الحقيقة أن تعبير «معاجزين» الذي أوردنا تفسيره من مفردات الراغب ، شبيه بتعبير (يخادعون الله ورسوله) البقرة ـ ٩ ، لأنّ باب مفاعلة يمكن أن يأتي على هذه الصورة.