فمع أنّ محتوى هذه الآية يؤكّد ما عرضته الآيات السابقة إلّا أنّ هناك ما هو جديد من جهتين :
الاولى : أنّ الآية السابقة التي عرضت نفس المفهوم ، كانت تتحدّث عن أموال وأولاد الكفّار ، بينما الآية محلّ البحث باحتوائها على كلمة «عباد» تشير إلى المؤمنين ، والمعنى أنّه حتّى فيما يخصّ المؤمنين فإنّه قد يتّسع الرزق ـ لأنّه الأصلح بالنسبة للمؤمن ـ وقد يضيق ـ لأنّ المصلحة تقتضي ذلك ـ على كلّ حال ، فإنّ سعة وضيق الرزق لا يمكن أن يشكّل دليلا على أي شيء.
الثّانية : الآية السابقة أشارت إلى سعة الرزق وضيقه بالنسبة إلى مجموعتين مختلفتين ، في حين أنّ هذه الآية تشير إلى حالتين مختلفتين بالنسبة لشخص واحد ، حينا يتّسع رزقه وحينا يضيق.
إضافة إلى أنّ ما جاء في بداية هذه الآية هو في الحقيقة مقدّمة لما جاء في آخرها ، وهو الترغيب في الإنفاق في سبيل الله.
جملة «فهو يخلفه» تعبير جميل يشير إلى أنّ ما ينفق في سبيل الله إنّما هو في الحقيقة تجارة وافرة الربح ، لأنّ الله سبحانه وتعالى تعهّد بأن يخلفه ، ونعلم أنّه في الوقت الذي يتعهّد فيه الكريم بأداء العوض فإنّه لا يراعي المقدار الذي يريد تعويضه ، بل إنّه يعوّض بأضعاف مضاعفة ، بل بمئات الأضعاف.
طبعا فإنّ هذا الوعد الإلهي لا ينحصر بالآخرة ، فإنّ ذلك مسلّم به ، ولكن في الدنيا أيضا فإنّه يخلف ما أنفق بمختلف البركات.
جملة (هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ذات معنى واسع ، ويمكن الإفادة منها من وجوه مختلفة.
هو خير من يعطي رزقا ، لأنّه يعلم ماذا يعطي وإلى أي حدّ ، بحيث لا يكون ما يعطيه عاملا للفساد والغرور ، لأنّه عالم بكلّ شيء.
هو يعطي أي شيء يريد أن يعطيه لأنّه قادر على كلّ شيء.