التأكيدات ، ففي موضع يقولون إنّه سحر ، وفي آخر يقولون : إنّه مجرّد كذب ، ثمّ يقولون في موضع ثالث ، إنّه يريد أن يصدّكم عن مآثر أجدادكم!
طبعا هذه الصفات الذميمة الثلاثة ليست متضادّة فيما بينها ـ مع أنّ هؤلاء لا يأنفون من الكلام المتضادّ ـ وعلى فلا داعي ـ كما يقول المفسّرين ـ لاعتبار أنّ كلّ واحدة من هذه الصفات تنسب إلى مجموعة مستقلّة من الكفّار.
كذلك فمن الجدير بالملاحظة أنّ القرآن الكريم استخدم في المرتين الاولى والثّانية جملة «قالوا» ، ثمّ استخدم في المرّة الثالثة جملة «قال الذين كفروا» ، إشارة إلى أنّ كلّ التعاسة التي أصابتهم إنّما منشأها الكفر وإنكار الحقّ ومعاداة الحقيقة ، وإلّا فكيف يمكن لأحد أن يتّهم رجلا تظهر دلائل حقّانيته من حديثه وعمله وماضيه بهذه التّهم المتلاحقة وبلا أدنى دليل.
فكأنّهم يواصلون بهذه التّهم الثلاث برنامجا مدروسا لمواجهة النّبي صلىاللهعليهوآله فقد لاحظوا من جانب أنّ الدين جديد وله جاذبية ، ومن جانب آخر ، فقد أخافت إنذارات الرّسول صلىاللهعليهوآله بالعذاب الإلهي في الدنيا والآخرة فئة من المجتمع شاءوا أم أبوا ، ومن جانب ثالث فإنّ معجزات الرّسول صلىاللهعليهوآله تركت أثرها الإيجابي في نفوس عامّة المجتمع ـ شاءوا أم أبوا كذلك.
لذا فإنّهم ـ لأجل إبطال مفعول هذه الأمور الثلاثة ـ فكّروا بالدعوة إلى حفظ تراث السلف في قبال الدين الجديد ، في حين أنّ السلف كان مصداقا لما ذكره القرآن الكريم (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) البقرة ـ ١٧٠. فلا جرم أن يتخلّى الناس عن مثل تلك الهياكل الخرافية التي كانت إرث هؤلاء الجهلة والحمقى.
وأمّا في قبال إنذارات الرّسول صلىاللهعليهوآله بالعذاب الإلهي ، فقد طرحوا قضيّة الاتّهام بالكذب لكي يريحوا العامّة.
وفي قبال المعجزات ، طرحوا تهمة (السحر). ظنّا منهم أنّ المعجزات لن تترك أثرا في نفوس الناس بسبب هذا التوجيه.