الله وطاعة أوامره (١) ، فيوجّه الخطاب لكلّ البشر ، فيقول : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
إنّ لتسخير الموجودات السماوية والأرضيّة للإنسان معنى واسعا يشمل الأمور التي في قبضته وإختياره ، ويستخدمها برغبته وإرادته في طريق تحصيل منافعه ككثير من الموجودات الأرضيّة ، كما تشمل الأمور التي ليست تحت تصرّفه وإختياره ، لكنّها تخدم الإنسان بأمر الله جلّ وعلا كالشمس والقمر. وبناء على هذا فإنّ كلّ الموجودات مسخّرة بإذن الله لنفع البشر ، سواء كانت مسخّرة بأمر الإنسان أم لا ، وعلى هذا فإنّ اللام في (لكم) لام المنفعة (٢).
ثمّ تضيف الآية : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً).
«أسبغ» من مادّة (سبغ) وهي في الأصل بمعنى الثوب أو الدرع العريض الكامل ، ثمّ اطلق على النعم الكثيرة الوفيرة أيضا.
هناك اختلاف بين المفسّرين في المراد من النعم الظاهرة والباطنة في هذه الآية ..
فالبعض اعتقد أنّ النعمة الظاهرة هي الشيء الذي لا يمكن لأيّ أحد إنكاره كالخلق والحياة وأنواع الأرزاق ، والنعم الباطنة إشارة إلى الأمور التي لا يمكن إدراكها من دون دقّة ومطالعة ككثير من القوى الروحية والغرائز المهمّة.
والبعض عدّ الأعضاء الظاهرة هي النعم الظاهرة ، والقلب هو النعمة الباطنة.
والبعض الآخر اعتبر حسن الصورة والوجه والقامة المستقيمة وسلامة الأعضاء النعمة الظاهرة ، ومعرفة الله هي النعمة الباطنة.
__________________
(١) اعتقد بعض المفسّرين كالآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي في التّفسير الكبير ، بأنّ هذه الآيات مرتبطة بالآيات التي سبقت مواعظ لقمان ، حيث تخاطب المشركين : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) وتقول في الآيات مورد البحث : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). إلّا أنّ آخر هذه الآية والآيات التي بعدها ، والروايات الواردة في تفسيرها تتناسب مع عموميّة الآية.
(٢) كانت لنا بحوث اخرى حول تسخير الموجودات للإنسان في ذيل الآية (٢) من سورة الرعد.