الأمور الثلاثة فإنّ هؤلاء لمّا تركوها سقطوا في هاوية الضلال والضياع ووادي الشياطين.
وتشير الآية التالية إلى المنطق الضعيف السقيم لهذه الفئة ، فتقول : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ولمّا لم يكن اتّباع الآباء الجهلة المنحرفين جزءا من أيّ واحد من الطرق الثلاثة المذكورة أعلاه للهداية ، فإنّ القرآن ذكره بعنوان الطريق الشيطاني ، وقال : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (١).
إنّ القرآن ـ في الحقيقة ـ يزيح هنا الغطاء عن اتّباع سنّة الآباء والأجداد الزائفة ، ويبيّن الوجه الحقيقي لعمل هؤلاء والذي هو في حقيقته اتّباع الشيطان في مسير جهنّم.
أجل ، إنّ قيادة الشيطان بذاتها تستوجب أن يخالفها الإنسان وإن كانت مبطّنة بالدعوة إلى الحقّ ، فمن المسلّم أنّه غطاء وخدعة ، والدعوة إلى النار كافية لوحدها أيضا للمخالفة بالرغم من أنّ الداعي مجهول الحال ، فإذا كان الداعي الشيطان ، ودعوته إلى نار جهنّم المستعرة ، فالأمر واضح.
هل يوجد عاقل يترك دعوة أنبياء الله إلى الجنّة ، ويلهث وراء دعوة الشيطان إلى جهنّم؟!
ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى بيان حال مجموعتين : المؤمنين الخلّص ، والكفّار الملوّثين ، وتجعلهم مورد اهتمامها في المقارنة بينهم ، فقالت : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).
والمراد من تسليم الوجه إلى الله سبحانه ، هو التوجّه الكامل وبكلّ الوجود إلى ذات الله المقدّسة ، لأنّ الوجه لمّا كان أشرف عضو في البدن ، ومركزا لأهمّ
__________________
(١) اعتبر المفسّرون (لو) هنا شرطية كالمعتاد ، وجزاؤها محذوف ، والتقدير : لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير أيتبعونه.