تفسير هذه الآية تؤكّد هذه الحقيقة ، ومن جملتها ما ورد في حديث : «إنّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا الله ، وقرأ هذه الآية» (١).
وجاء في رواية اخرى وردت في نهج البلاغة : أنّ عليّا عليهالسلام كان يوما يخبر بحوادث المستقبل ، فقال له أحد أصحابه : يا أمير المؤمنين ، أتتحدّث عن الغيب وتعلم به؟
فتبسّم الإمام ، وقال له : «يا أخا كلب (لأنّ الرجل كان من بني كلب) ، ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم ، وإنّما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...) فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام ، من ذكر أو أنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومن يكون في النار حطبا ، وفي الجنان للنبيين مرافقا ، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلّا الله ، وما سوى ذلك فعلم علّمه الله نبيّه فعلّمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطمّ عليه جوانحي» (٢).
ويظهر من هذه الروايات جليّا أنّ المراد من عدم علم الناس بهذه الأمور ، جهلهم بكلّ خصوصياتها وجزئياتها ، فمثلا : إذا وضعت تحت تصرّف الإنسان يوما ما وسائل معيّنة ـ ولم يحلّ ذلك اليوم إلى الآن ـ بحيث يطّلع تماما على كون الجنين ذكرا أو أنثى ، فإنّ هذا الأمر برغم كونه تطوّرا علميّا هامّا لا يعدّ شيئا ، لأنّ الاطّلاع على الجنين والعلم به يعني أن نعلم كلّ خصائصه الجسمية ، القبح والجمال ، الصحّة والمرض ، الاستعدادات الداخلية ، الذوق العلمي والفلسفي والأدبي ، وسائر الصفات والكيفيّات الروحية ، وهذا الأمر لا يتمّ لغير الله سبحانه.
وكذلك ما يتعلّق بالمطر ، فمتى ينزل؟ وأيّة منطقة يصيب ويهطل عليها؟ وأيّ مقدار ـ على وجه الدقّة ـ سينزل في البحر؟ وما مقدار ما ينزل في الصحراء
__________________
(١) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.
(٢) نهج البلاغة. الخطبة ١٢٨.