أثر ابن جنى فيمن بعده :
«فتح ابن جنى فى العربية أبوابا لم يتسن فتحها لسواه. ووضع أصولا فى الاشتقاق ومناسبة الألفاظ للمعانى ، وإهمال ما أهمل من الألفاظ وغير ذلك ، وكان بذلك إماما يحتاج إلى أتباع يمضون فى سبيله ، ويبنون على بحوثه ، وإذا لنضجت أصوله وبلغت إناها ، ولكنه لم يرزق هؤلاء الأتباع. على أنه أتيح له لغوى كبير أغار على فوائده وبحوثه اللغوية. ذلك هو ابن سيده على بن أحمد المتوفى ٤٥٨ ه وهو كثير ما يغفل العزو إليه فى كتابه المحكم ، ويأتى صاحب اللسان فينقل ما فى ابن سيده وينسبه إليه وهو لابن جنى» (١).
وكذلك نجد ابن سنان الخفاجى عبد الله بن محمد المتوفى ٤٦٦ ه. صحاب سر الفصاحة ينقل كثيرا عن ابن جنى ويستشهد بكلامه ، وفى نفس الوقت قد يتجه إلى نقده عند اختلافه معه.
ومن القرن السابع الهجرى نجد ابن الأثير نصر الله بن محمد المتوفى سنة ٦٣٣ ه صاحب المثل السائر وقد يعترض على ابن جنى وينتقده ، ومع ذلك ينقل عنه ولا يعزو إليه.
اللغة عند ابن جنى :
كان ابن جنى واسع الرواية والدراية فى اللغة يتضح ذلك من أبواب بوبها فى كتابه هذا الخصائص ، قال : «باب فى الشىء يسمع من الفصيح ولا يسمع من غيره»
ويتضح ذلك أيضا من مطالعة اللسان وكثرة العزو فيه إلى ابن جنى وقد يقول صاحب اللسان : «ولا أعلم هذا القول من غير ابن جنى».
عقيدة ابن جنى :
لم يعرف عن ابن جنى أنه كان شيعيا ، وإن كان الظاهر من أمره ذلك ، والأظهر أنه إنما كان يصانعهم ، وكان من دواعى مصانعته لهم أن كان ذوو السلطان من آل بويه منهم ، وهو كان متصلا بهم صلة قوية وكان البويهيون يحرصون على إظهار شعائر الشيعة.
__________________
(١) انظر ترجمة الأستاذ محمد على النجار لابن جنى فى تحقيقه لهذا الكتاب ص ٢٩.