وإنما كان التقريب فى عصره لمن تشيع أو انتسب إلى الفرس وذلك لأن الأمراء منهم وهنا طرفة ذكرها الأستاذ / محمد على النجار نقلا عن نزهة الألباء فى ترجمة الربعى على بن عيسى ، قال : «إن على بن عيسى الربعى كان على شاطئ دجلة فى يوم شديد الحر فاجتاز عليه الشريف المرتضى فى سفينة ومعه ابن جنى ، وعليهما مظلة تظلهما من الشمس ، فهتف الربعى بالمرتضى وقال له : ما أحسن هذا التشيع! علىّ تتقلى كبده فى الشمس من شدة الحر ، وعثمان عندك فى الظل تحت المظلة لئلا تصيبه الشمس! فقال المرتضى للملاح : جد وأسرع قبل أن يسبنا».
مذهبه الفقهى :
يبدو أن ابن جنى كان حنفى المذهب ، ويتضح ذلك من إشاراته فى هذا الكتاب إلى هذا المذهب وقوله فى الرواية عنه أصحابنا ، ولا غرو فى ذلك فهو عراقى يأخذ مذهب أهل العراق ، وقد جاء ذكر أبى حنيفة فى مبحث الدّور ، فقال : «هذا موضع كان أبو حنيفة رحمهالله يراه ويأخذ به ...»
كل ذلك يشير إلى ميله إلى هذا المذهب.
مذهبه الكلامى :
ذكر السيوطى فى المزهر أن ابن جنى كان معتزليا كشيخه أبى على. ويتضح ذلك من كلامه فى «باب فى أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة» يقول : «وكذلك أفعال القديم سبحانه ، نحو خلق الله السماء والأرض وما كان مثله. ألا ترى أنه عز اسمه لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا ، ولو كان حقيقة لا مجازا لكان خالقا للكفر والعدوان وغيرهما من أفعالنا عز وعلا» فهو هنا ينسب خلق الفعل للعبد ، وهذا مذهب المعتزلة.
ومما يؤنس به فى القول باعتزاله أنه فى باب : «فى الحكم يقف بين الحكمين» من هذا الكتاب يكرر عبارة «المنزلة بين المنزلتين» ويلمح الأستاذ محمد على النجار فى ترجمته لابن جنى إلى أنه قد لا يتقيد بمذهب المعتزلة ويذهب إلى ما يراه الحق وما هو أدنى إلى النصفة ، ثم قال : ومن ذلك ما نراه من كلامه على اللغة وهل هى اصطلاح أو توقيف ، فقد ذكر رأى التوقيف ثم قال ابن جنى فى الخصائص «وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه والانطواء على القول به» وهذا هو مذهب أهل السنة.