وحدّثنى أبو الحسن على بن عمرو عقيب منصرفه من مصر هاربا متعسّفا ، قال : أذمّ (١) لنا غلام ـ أحسبه قال من طىّء ـ من بادية الشأم ، وكان نجيبا متيقّظا ، يكنى أبا الحسين ويخاطب بالأمير ؛ فبعدنا عن الماء فى بعض الوقت ، فأضرّ ذلك بنا ، قال فقال لنا ذلك الغلام : على رسلكم فإنى أشمّ رائحة الماء. فأوقفنا بحيث كنّا ، وأجرى فرسه ، فتشرف هاهنا مستشفّا ، ثم عدل عن ذلك الموضع إلى آخر مستروحا للماء ، ففعل ذلك دفعات ، ثم غاب عنا شيئا وعاد إلينا ، فقال : النجاة والغنيمة ، سيروا على اسم الله تعالى ؛ فسرنا معه قدرا من الأرض صالحا ، فأشرف بنا على بئر ، فاستقينا وأروينا. ويكفى من ذلك ما حكاه من قول بعضهم لصاحبه : ألاتا ، فيقول الآخر مجيبا له : بلى فا ، وقول الآخر :
* قلنا لها قفى لنا قالت قاف (٢) *
ثم تجاوزوا ذلك إلى أن قالوا : «ربّ إشارة أبلغ من عبارة» نعم وقد يحذفون بعض الكلم استخفافا ، حذفا يخلّ بالبقية ، ويعرّض لها الشبه ؛ ألا ترى إلى قول علقمة :
كأن إبريقهم ظبى على شرف |
|
مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (٣) |
أراد : بسبائب. وقول لبيد :
* درس المنا بمتالع فأبان (٤) *
__________________
(١) أخذ له الذمة والعهد بالأمان.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) الفدام : ما يوضع على فم الإبريق ، وإبريق مفدّم : عليه فدام ، اللسان (فدم). اللثام : ما كان على الفم من النقاب. والسّبّ والسبيبة : الشّقة ، وخص بعضهم بها الشقة البيضاء ، والجمع سبائب : والبيت فى اللسان (سبب) وفيه «أراد سبائب فحذف».
(٤) صدر البيت من الكامل ، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ١٣٨ ، والدرر ٦ / ٢٠٨ ، وسمط اللآلى ص ١٣ ، وشرح التصريح ٢ / ١٨٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٩٧ ، ولسان العرب (تلع) (ابن) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٦ ، وتاج العروس (تلع) ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ٤٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٦ ، وكتاب العين ١ / ١٧٣. وعجز البيت :
* فتقادمت بالحبس فالسّوبان*