فإن قيل : فأنت إذا أضفت المصدر إلى الفاعل جررته فى اللفظ واعتقدت مع هذا أنه فى المعنى مرفوع ، فإذا كان فى اللفظ أيضا مرفوعا فكيف يسوغ لك بعد حصوله فى موضعه من استحقاقه الرفع لفظا ومعنى أن تحور به فتتوهّمه مجرورا؟ قيل هذا الذى أردناه وتصوّرناه هو مؤكّد للمعنى الأوّل ، لأنك كما تصوّرت فى المجرور معنى الرفع ، كذلك تمّمت حال الشبه بينهما فتصوّرت فى المرفوع معنى الجرّ. ألا ترى أن سيبويه لمّا شبّه الضارب الرجل بالحسن الوجه وتمثّل ذلك فى نفسه ورسا فى تصوّره ، زاد فى تمكين هذه الحال له وتثبيتها عليه ، بأن عاد فشبّه الحسن الوجه بالضارب الرجل فى الجرّ ؛ كلّ ذلك تفعله العرب ، وتعتقده العلماء فى الأمرين ، ليقوى تشابههما وتعمر ذات بينهما ، ولا يكونا على حرد (١) ، وتناظر غير مجد ، فاعرف هذا من مذهب القوم واقتفه تصب بإذن الله تعالى.
ومن ذلك قولهم فى قول العرب : كلّ رجل وصنعته ، وأنت وشأنك : معناه أنت مع شأنك ، وكل رجل مع صنعته ، فهذا يوهم من أمم أن الثانى خبر عن الأوّل ، كما أنه إذا قال أنت مع شأنك فإن قوله (مع شأنك) خبر عن أنت. وليس الأمر كذلك ؛ بل لعمرى إن المعنى عليه ، غير أن تقدير الأعراب على غيره. وإنما (شأنك) معطوف على (أنت) ، والخبر محذوف للحمل على المعنى ، فكأنه قال : كلّ رجل وصنعته مقرونان ، وأنت وشأنك مصطحبان. وعليه جاء العطف بالنصب مع أنّ ؛ قال :
أغار على معزاى لم يدر أننى |
|
وصفراء منها عبلة الصفوات (٢) |
ومن ذلك قولهم أنت ظالم إن فعلت ، ألا تراهم يقولون فى معناه : إن فعلت فأنت ظالم ، فهذا ربما أوهم أن (أنت ظالم) جواب مقدّم ، ومعاذ الله أن يقدّم جواب الشرط عليه ، وإنما قوله (أنت ظالم) دالّ على الجواب وسادّ مسدّه ؛ فأمّا أن يكون هو الجواب فلا.
ومن ذلك قولهم فى عليك زيدا : إن معناه خذ زيدا ، وهو ـ لعمرى ـ كذلك ،
__________________
(١) الحرد : الغيظ والغضب.
(٢) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٤ / ١٤ ، والخصائص ١ / ٢٨٣ ، ولسان العرب (معز).