الجامع ، فوجد أبا الفتح عثمان بن جنى يقرأ النحو وهو شاب ، وكان بين يديه متعلم وهو يكلمه فى قلب الواو ألفا نحو (قام) و (قال) ، فاعترض عليه أبو على ، فوجده مقصرا ، فقال له أبو على : «زبّبت قبل تحصرم .. ثم قام أبو على ولم يعرفه ابن جنى ، فسأل عنه ، فقيل له : هذا أبو على الفارسى النحوى. فأخذ فى طلبه فوجده ينزل إلى السّميريّة ، يقصد بغداد ، فنزل معه فى الحال ولزمه وصحبه من حينئذ إلى أن مات أبو على ، وخلفه ابن جنى ، ودرس النحو ببغداد بعده وأخذ عنه. وكان تبحر ابن جنى فى علم التصريف ، لأن السبب فى صحبته أبا على وتغربه عن وطنه ومفارقة أهله مسألة تصريفية ، فحمله ذلك على التبحر والتدقيق فيه».
وتجمع الروايات على أن أبا الفتح صحب أبا على بعد سنة ٣٣٧ ه ولازمه فى السفر والحضر ، وأخذ عنه ، وصنف كتبه فى حياة أستاذه ، فاستجادها ووقعت عنده موضع القبول.
يقول ابن جنى عن أستاذه أبى على الفارسى فى كتابه هذا :
«ولله هو ، وعليه رحمته! فما كان أقوى قياسه ، وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه ، فكأنه إنما كان مخلوقا له ، وكيف لا يكون كذلك وقد أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة ، زائحة علله ، ساقطة عنه كلفه وجعله همه وسدمه. لا يعتافه عنه ولد ، ولا يعارضه فيه متجر ، ولا يسوم به مطلبا ، ولا يخدم به رئيسا إلا بأخرة ، وقد حط عنه أثاله ، وألقى عصا ترحاله».
ويظهر إجلال أبى على لأبى الفتح من قول أبى الفتح فى الخصائص ، فى باب فيما يرد عن العربى مخالفا لما عليه الجمهور ، قال : «دخلت يوما على أبى على رحمهالله خاليا آخر النهار فحين رآنى قال لى : أين كنت؟ أنا أطلبك. قلت : وما ذلك؟ قال : ما تقول فيما جاء عنهم من حوريت؟ فخضنا معا فيه ، فلم نحل بطائل منه. فقال : هو من لغة اليمن ومخالف للغة ابنى نزار ، فلا ينكر أن يجيء مخالفا لأمثلتهم».
صحبته للمتنبى :
اجتمع ابن جنى بالمتنبى فى حلب عند سيف الدولة بن حمدان ، وفى شيراز عند عضد الدولة البويهى ، وكان المتنبى يجله ويقول فيه : هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس ، وكان المتنبى إذا سئل عن شيء من دقائق النحو والتصريف فى شعره ، يقول :