وفي أيامه طيف بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرّفة بالقاهرة وذلك في سنة خمس وسبعين ، وكان يوما مشهودا ، وهو أوّل من فعل ذلك بالديار المصرية. وكان له صدقات كثيرة ؛ من ذلك كلّ سنة عشرة آلاف اردبّ قمح للفقراء والمساكين وأرباب الزوايا ، وكان يخرج كلّ سنة جملة مستكثرة يستفكّ بها من حبس القاضي من المفلسين ، وكان يرتّب في أوّل رمضان مطابخ لأنواع الأطعمة برسم الفقراء والمساكين ، ووقف وقفا على تكفين أموات الغرباء ، وأجرى على أهل الحرمين وطرق الحجاز ما كان انقطع في أيام غيره من الملوك ، وله أنواع من المعروف وأوقاف البرّ.
نقلت من خطّ شيخنا الإمام تقي الدين الشّمنيّ ؛ قال : نقلت من خطّ الشيخ كمال الدين الدّميريّ ، نقل من خط الشيخ جمال الدين بن هشام ، قال : من غريب ما رأيت على كراريس من تسهيل الفوائد بخط الشيخ جمال الدين بن مالك ، في أواخرها صورة قصة رفعها الفقير إلى رحمة ربّه محمد بن مالك : يقبّل الأرض وينهى إلى السلطان أيّد الله جنود وأبّد سعوده ، أنّه أعرف أهل زمانه بعلوم القراءات والنحو واللغة وفنون الأدب ، وأمله أن يعينه نفوذا من سيّد السلاطين ، ومبيد الشياطين ، خلّد الله ملكه ، وجعل المشارق والمغارب ملكه ، على ما هو بصدده من إفادة المستفيدين ، وإفادة المسترشدين ؛ بصدقة تكفيه همّ عياله ، وتغنيه عن التسبّب في صلاح حاله ؛ فقد كان في الدّولة الناصريّة عناية تتيسّر بها الكفاية ؛ مع أنّ الدولة ، من الدولة الظاهريّة كجدول من البحر المحيط ، والخلاصة من الوسيط والبسيط ؛ وقد نفع الله بهذه الدولة الظاهريّة الناصريّة خصوصا وعموما ، وكشف بها عن الناس أجمعين غموما ؛ ولمّ بها من شعث الدين ما لم يكن ملموما ، فمن العجائب كون المملوك من مزيد خيراتها وعن يمين عنايتها غائبا محروما ؛ مع أنه من ألزم المخلصين للدعاء بدوامها ، وأقوم الموالين بمراعاة زمامها ؛ لا برحت أنوارها زاهرة ، وسيوف أنصارها قاهرة ظاهرة ، وأياديها مبذولة موفورة ، وأعاديها مخذولة مقهورة ، بمحمد وآله!
وكان الشيخ محيي الدين النوويّ يكثر المكاتبات إليه ، ويعظه في أمور المسلمين. قال الشيخ علاء الدين بن العطار : كتب الشيخ محيي الدين ورقة إلى الظاهر بيبرس ، تتضمّن العدل في الرعيّة ، وإزالة المكوس. وكتب فيها معه جماعة ، ووضعها في ورقة كتبها إلى الأمير بدر الدين بيليك الخازندار (١) بإيصال ورقة العلماء إلى السّلطان ، وصورتها :
__________________
(١) في الخطط المقريزية : بيت المال كان وظيفة جليلة معتبرة وموضوع متوليها التحدث في حمول المملكة مصرا وشاما إلى بيت المال وفي صرف ما ينصرف منه. [٢ / ٢٢٤].