بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله يحيى النوويّ ، سلام الله تعالى ورحمته وبركاته على المولى المحسن ، ملك الأمراء بدر الدين. أدام الله الكريم له الخيرات ، وتولّاه بالحسنات ، وبلّغه من أقصى الآخرة والأولى كلّ آماله ، وبارك له في جميع أحواله ؛ آمين. وينهى إلى العلوم الشريفة ، أنّ أهل الشام في هذه السنة في ضيق عيش وضعف حال ، بسبب قلّة الأمطار وغلاء الأسعار ، وقلّة الغلّات والنبات ، وهلاك المواشي وغير ذلك ؛ وأنتم تعلمون أنّه تجب الشفقة على الرعيّة ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم ؛ فإنّ الدين النصيحة. وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان المحبوبون له كتابا يذّكره النّظر في أحوال رعيّته ، والرّفق بهم ؛ وليس فيه ضرر ، بل هو نصيحة محضة ، وشفقة وذكرى لأولي الألباب. والمسؤول من الأمير أيّده الله تعالى تقديمه إلى السلطان ، أدام الله له الخيرات. ويتكلّم عنده من الإشارة بالرّفق بالرعيّة بما يجده مدّخرا له عند الله تعالى (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٣٠].
وهذا الكتاب أرسله العلماء أمانة ونصيحة للسلطان أعزّ الله أنصاره ، فيجب عليكم إيصاله للسلطان أعزّ الله أنصاره ، وأنتم مسئولون عن هذه الأمانة ، ولا عذر لكم في التأخّر عنها ، ولا حجّة لكم في التقصير عنها عند الله تعالى وتسألون عنها يوم القيامة ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) [الشعراء : ٨٨] ، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ ، وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٤ ـ ٣٧].
وأنتم بحمد الله تحبّون الخير وتحرصون عليه ، وتسارعون إليه ، وهذا من أهمّ الخيرات وأفضل الطاعات ، وقد أهّلتم له ، وساقه الله إليكم ، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدّة ، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١] ، وقال الله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢١٥].
والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا ، فإذا فعلتم هذا فأجركم على الله (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨] ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما وصلت الورقتان إليه ، أوقف عليهما السلطان ، فردّ جوابهما ردّا عنيفا مؤلما ، فتكدّرت خواطر الجماعة الكاتبين ، فكتب رضياللهعنه جوابا لذلك الجواب وهذه صورته :
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمد