وعلى آل محمد. من عبد الله يحيى (١) النوويّ ، ينهى أنّ خدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعزّ الله أنصاره ، فجاء الجواب بالإنكار والتوبيخ والتهديد ، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع ، وقد أوجب الله إيضاح الكلام عند الحكّام عند الحاجة إليه ، فقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] ، فوجب علينا حينئذ بيانه ، وحرم علينا السكوت. وقال تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ٩٠].
وذكر في الجواب أنّ الجهاد ليس مختصّا بالأجناد ؛ وهذا أمر لم ندعه ، وكان الجهاد فرض كفاية ، فإذا قرّر السلطان له أجنادا مخصوصين ، ولهم أخباز معلومة من بيت المال كما هو الواقع ، تفرّغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والأجناد وغيرهم من الزراعة والصنائع وغيرهما ، ممّا يحتاج النّاس كلّهم إليه ، فجهاد الأجناد مقابل بالأخباز المقرّرة لهم ، ولا يحلّ أن يؤخذ من الرعيّة شيء ما دام في بيت المال شيء من نقد أو متاع أو أرض أو ضياع تباع أو غير ذلك ؛ وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان أعزّ الله أنصاره ، متّفقون على هذا ، وبيت المال بحمد الله معمور ، زاده الله عمارة وسعة وخيرا وبركة في حياة السلطان ، المقرونة بكمال السعادة والتوفيق والتسديد ، والظهور على أعداء الدين ، وما النصر إلّا من عند الله.
وإنّما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى ، واتّباع آثار النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وما لزمه أحكام الشّرع. وجميع ما كتبناه أولا وثانيا ، هو النصيحة التي نعتقدها ، وندين الله بها ، ونسأل الله الدّوام عليها حتّى نلقاه. والسلطان يعلم أنّها نصيحة له وللرعيّة ، وليس فيها ما يلام عليه. ولم نكتب هذا للسلطان إلّا لعلمنا أنّه يحبّ الشرع ومتابعة أخلاق النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الرّفق بالرعيّة ، والشفقة عليهم وإكرامه لآثار النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكلّ ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتبناه.
وأمّا ما ذكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفّار كيف كانوا في البلاد ؛ فكيف يقاس ملوك الإسلام وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفّار؟! وبأيّ شيء كنّا نذكر طغاة الكفّار وهم لا يعتقدون شيئا من ديننا؟!
__________________
(١) هو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي. ولد في محرم سنة ٦٣١ ه ، وله عدّة تصانيف ـ توفي سنة ٦٧٦ ه. [شذرات الذهب : ٥ / ٣٥٤].