وأمّا تهديد الرعيّة بسبب نصيحتنا وتهديد طائفة العلماء ؛ فليس هذا المرجوّ من عدل السلطان وحمله ؛ وأيّ حيلة لضعفاء المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم ، ولا علم لهم به! وكيف يؤاخذون به لو كان فيه ما يلام عليه؟!
وأما أنا في نفسي فلا يضرّني التهديد ، ولا أكثر منه ، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان ؛ فإنّي أعتقد أنّ هذا واجب عليّ وعلى غيري ، وما ترتّب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى ، (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) [غافر : ٣٩] ، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [غافر : ٤٤] ، وقد أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نقول الحقّ حيثما كنّا ، وألّا نخاف في الله لومة لائم. ونحن نحبّ السلطان في كلّ الأحوال ، وما ينفعه في آخرته ودنياه ، ويكون سببا لدوام الخيرات له ، ويبقى ذكره على ممرّ الأيّام ، ويخلّد به في الجنّة ، ويجد نفسه (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠].
وأما ما ذكر من تمهيد السلطان البلاد ، وإدامته الجهاد ، وفتوح الحصون ، وقهر الأعداء ؛ فهذا بحمد الله من الأمور الشائعة التي اشترك في العلم بها الخاصّة والعامّة ، وطارت في أقطار الأرض ، فلله الحمد ، وثواب ذلك مدّخر للسلطان إلى يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا ، ولا حجّة لنا عند الله تعالى إذا تركنا هذه النصيحة الواجبة علينا ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وكتب إلى الملك الظاهر لمّا احتيط على أملاك دمشق :
بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥]. وقال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] ، وقال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [المائدة : ٢]. وقد أوجب الله على المكلّفين نصيحة السلطان أعزّ الله أنصاره ونصيحة عامّة المسلمين ، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الدّين النّصيحة لله وكتابه وأئمّة المسلمين وعامّتهم» ؛ ومن نصيحة السّلطان وفّقه الله تعالى لطاعته ، وأولاه كرامته ، أن ننهي إليه الأحكام إذا جرت على خلاف قواعد الإسلام ، وأوجب الله تعالى الشفقة على الرعيّة ، والاهتمام بالضعفة وإزالة الضّرر عنهم ، قال الله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٢١٥]. وفي الحديث الصحيح : «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم» ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «من كشف عن مسلم كربة من كرب الدّنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».