يقصّ على الناس وهو قائم ، فقال له صلة بن الحارث الغفاريّ ـ وهو من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والله ما تركنا عهد نبيّنا ، ولا قطعنا أرحامنا ، حتّى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا! وكان سليم بن عتر أحد العبّاد المجتهدين ، وكان يقوم في ليله فيبتدىء القرآن حتّى يختمه ، ثمّ يأتي أهله ، ثمّ يقوم فيغتسل ثمّ يقرأ فيختم ، ثمّ يأتي أهله فيقضي منهم حاجته ، وربّما فعل ذلك في الليل مرّات ، فلمّا مات قالت امرأته : رحمك الله! فو الله لقد كنت ترضي ربّك وتسرّ أهلك.
ثمّ لمّا ولي مسلمة بن مخلّد البلد ، ولّى السائب بن هشام بن عمرو أحد بني مالك بن حسل شرطه ، وكان هشام بن عمرو أحد النّفر الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كانت في قريش كتبت. وكان عمرو بن العاص ولّى السائب بن هشام شرطه بعد خارجة بن حذافة (١) ، وكان أيضا على شرطه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثمّ عزل مسلمة السائب وولى عابس بن ربيعة المراديّ الشرطة ، ثمّ جمع له القضاء مع الشّرطة.
وسبب ذلك أنّ معاوية كتب إلى مسلمة يأمره بالبيعة ليزيد ، فأتى مسلمة الكتاب وهو بالإسكندرية ، فكتب إلى السائب بذلك ، فبايع النّاس إلا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فأعاد عليه مسلمة الكتاب فلم يفعل ، فقال مسلمة : من لعبد الله بن عمرو؟ فقال عابس بن سعيد : أنا ، فقدم الفسطاط ، فبعث إلى عبد الله بن عمرو فلم يأته ، فدعا بالنّار والحطب ليحرق عليه قصره ، فأتى فبايع ، واستمرّ عابس على القضاء حتّى دخل مروان بن الحكم مصر في سنة خمس وستّين ، فقال : أين قاضيكم؟ فدعي له عابس ـ وكان أمّيّا لا يكتب ـ فقال له مروان : أجمعت كتاب الله؟ قال : لا ، قال : فأحكمت الفرائض؟ قال : لا ، قال : فيم تقضي؟ قال : أقضي بما علمت ، وأسأل عمّا جهلت ، قال : أنت القاضي. فلم يزل عابس على القضاء إلى أن توفّي سنة ثمان وثمانين.
فولّى عبد العزيز بن مروان بشير بن النّضر المزنيّ القضاء.
ثم ولي عبد الرحمن بن حجيرة الخولانيّ وجمع له القضاء والقصص وبيت المال ، فكان يأخذ رزقه في السّنة ألف دينار على القضاء ؛ فلم يكن يحول عليه الحول وعنده ما تجب فيه الزكاة ، فلم يزل على القضاء حتى مات سنة ثلاث وثمانين (٢).
ويقال : بل ولي في سنة ثلاث وثمانين ، ومات في سنة خمس وثمانين.
ثمّ ولي القضاء مالك بن شراحيل الخولانيّ ، فلم يزل على القضاء حتّى مات
__________________
(١) شذرات الذهب : ١ / ٤٩.
(٢) شذرات الذهب : ١ / ٩٣.