وفي سنة ثمان وخمسين ، في العشر الأول من جمادى الأولى ظهر كوكب (١) كبير ، له ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع وطولها أذرع كثيرة ، وبقي إلى أواخر الشهر ، ثمّ ظهر كوكب آخر عند غروب الشمس ، قد استدار نوره عليه كالقمر ، فارتاع النّاس وانزعجوا ، فلما أعتم الليل ، رمى ذؤابة نحو الجنوب ، وأقام إلى أيّام في رجب ، وذهب.
وفي سنة ستّين وأربعمائة كان ابتداء الغلاء (٢) العظيم بمصر ، الّذي لم يسمع بمثله في الدهور ؛ من عهد يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ، واشتدّ القحط والوباء سبع سنين متوالية بحيث أكلوا الجيف والميتات ، وأفنيت الدوابّ ، وبيع الكلب بخمسة دنانير والهرّ بثلاثة دنانير ، ولم يبق لخليفة مصر سوى ثلاثة أفراس بعد العدد الكثير ، ونزل الوزير يوما عن بغلته ، فغفل الغلام عنها لضعفه من الجوع ، فأخذها ثلاثة نفر ، فذبحوها وأكلوها ، فأخذوا فصلبوا وأصبحوا وقد أكلهم الناس ، ولم يبق إلا عظامهم. وظهر على رجل يقتل الصبيان والنساء ويبيع لحومهن ويدفن رؤوسهم وأطرافهم فقتل. وبيعت البيضة بدينار ، وبلغ الأردبّ القمح مائة دينار ثمّ عدم أصلا ، حتّى حكى صاحب المرآة أنّ امرأة خرجت من القاهرة ، ومعها مدّ جوهر ، فقالت : من يأخذه بمدّ قمح؟ فلم يلتفت إليها أحد ، وقال بعضهم يهنّئ القائم ببغداد :
وقد علم المصريّ أنّ جنوده |
|
سنو يوسف هولا وطاعون عمواس |
أقامت به حتّى استراب بنفسه |
|
وأوجس منها خيفة أيّ إيجاس |
وفي سنة اثنتين وستين ، زلزلت مصر حتى نفرت إحدى زوايا جامع عمرو. وفيها ضرب صاحب مصر اسم ابنه وليّ العهد على الدينار ، وسمّي الآمريّ ، ومنع التعامل بغيره.
وفي سنة خمس (٣) وستّين اشتدّ الغلاء والوباء بمصر حتّى إنّ أهل البيت كانوا يموتون في ليلة ، وحتّى إنّ امرأة أكلت رغيفا بألف دينار ، باعت عروضها قيمته ألف دينار ، واشترت بها جملة قمح ، وحمله الحمّال على ظهره فنهبه الناس ، فنهبت المرأة مع الناس فصحّ لها رغيف واحد ، وكان السّودان يقفون في الأزقّة ، يصطادون النساء بالكلاليب ، فيأكلون لحومهنّ ، واجتازت امرأة بزقاق القناديل ، فعلقها السّودان
__________________
(١) الكامل لابن الأثير : ٨ / ١٠٤.
(٢) الكامل لابن الأثير : ٨ / ١٠٦.
(٣) ذكره ابن الأثير في الكامل : ٨ / ١٠٨ ، وابن كفري بردي في النجوم الزاهرة سنة : ٤٦٢ ه.