ولأمير المؤمنين عليكم أن تعتقدوا موالاته بخالص الطويّة ، وتجمعوا له في الطاعة بين العمل والنيّة ، وتدخلوا في البيعة بصدور منشرحة وآمال منفسحة وضمائر يقينيّة وبصائر في الولاء قويّة ، وأن تقوموا بشروط بيعته ، وتنهضوا بفروض نعمته ، وتبذلوا الطارف والتالد في حقوق خدمته ، وتتقرّبوا إلى الله سبحانه بالمناصحة لدولته. وأمير المؤمنين يسأله الله أن تكون خلافته كافلة بالإقبال ، ضامنة ببلوغ الأماني والآمال ، وأن يجعل ديمها دائمة بالخيرات ، وقسمتها نامية على الأوقات إن شاء الله تعالى.
وأقام الآمر بأحكام الله خليفة إلى أن قتل في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، عدّى إلى الرّوضة (١) في فئة قليلة ، فخرج عليه منها قوم بالسّيوف فأثخنوه. وكان سيّىء السيرة.
ولما قتل تغلّب على الديار المصرية غلام أرمنيّ من غلمانه ، فاستحوذ على الأمور ثلاثة أيام ورام أن يتأمّر ، فحضر الوزير أبو عليّ أحمد بن الأفضل بدر الجماليّ ، فأقام الخليفة الحافظ لدين الله أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله ، واستحوذ على الأمور دونه ، وحصره في مجلس لا يدخل إليه أحد إلا من يريده ، وخطب لنفسه على المنابر ، ونقل الأموال من القصر إلى داره ، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط ، فلم يزل كذلك حتّى قتل الوزير (٢) ، فعظم أمر الحافظ من حينئذ ، وجدّد له ألقاب لم يسبق إليها ، وخطب له بها على المنابر ، فكان يقول : أصلح الله من شيّدت به الدين بعد دثوره ، وأعززت به الإسلام بأن جعلته سببا لظهوره ؛ مولانا وسيّدنا إمام العصر والزّمان أبا الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله!
قال ابن خلّكان : وكان الحافظ كثير المرض بعلّة القولنج ، فعمل له سرماه (٣) الديلميّ طبل القولنج ركبة من المعادن السبعة والكواكب السبعة في أشرافها كلّ واحد منها في وقته ، فكان من خاصّته أنّه إذا ضرب به أحد خرج الريح من مخرجه ، فكان هذا الطبل في خزائنهم إلى أن ملك السلطان صلاح الدين بن أيّوب. أخذ الطبل المذكور كرديّ ولا يدري ما هو! فضرب به ، فضرط ، فخجل ، فألقى الطبل من يده فانكسر.
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير ٨ / ٣٣٢ : خرج إلى متنزّه له ، فلما عاد وثب عليه الباطنية فقتلوه لأنه كان سيء السيرة في رعيته.
(٢) في شذرات الذهب ٤ / ٧٨ : في سنة ٥٢٦ ه توفي أحمد بن الأفضل أمير الجيوش بن بدر الجمالي ... فركب الوزير للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه ، وطعنه مملوك الحافظ ، وأخرجوا الحافظ.
(٣) في شذرات الذهب ٤ / ١٣٨ : شبرماه الديلمي.